انتهى الهدوء النسبي الذي سوقت له الحكومة حين قالت إن مركز محافظة الأنبار بات مُسيطَراً عليه، بعد معارك دخلت شهرها الرابع على حدود العراق الغربية، فمصور إحدى محطات التلفزة المحلية لقي مصرعه في مدينة الرمادي، لا على يد الجماعات المسلحة، بل بقصف مدفعي نفذه الجيش على أحياء سكنية.

Ad

 وجاء تجدد العمليات موازياً لبقاء الفلوجة المركز السكاني الكبير الآخر في تلك المحافظة، محاصراً بالقطعات الحكومية، التي تقول إن تنظيم "داعش" يسيطر على تلك المنطقة، وتتهمه بالتحكم في السدود الإروائية على نهر الفرات، وتهديد جنوب بغداد، المكتظ بالشيعة، بالجفاف والعطش.

وما زاد الأمور سوءاً هو إصدار الفريق السياسي لرئيس الحكومة بيانات كثيرة خلال اليومين الماضيين، تحدثت عن بلوغ المرحلة الحرجة في الأنبار، ما فسّره المعنيون بأنه تحضير لاقتحام الفلوجة، ربما في تاريخ قريب من يوم الاقتراع التشريعي المقرر بعد نحو أسبوعين، ولدواعٍ لا تنفصل عن أجواء الانتخابات.

وقد تعزز هذا الشعور بعد أن أصدرت وزارة الخارجية بياناً موجهاً، كما يبدو، إلى المجتمع الدولي، تتحدث فيه عن خطورة الوضع في الفلوجة، لكنّ خبراء ميدانيين يقولون إن على بغداد أن تتعامل بحذر شديد مع هذا الملف قبل أن تتورط بجيش ينقصه التدريب، في حرب شوارع استنزافية، داخل المدينة التي لقي فيها ثلث ضحايا الجيش الأميركي مصرعهم خلال تسع سنوات من وجودهم في العراق.

ويبدو أن هذا هو الذي جعل المالكي يتأخر في اقتحام الفلوجة حتى الآن، مخافة أن ينقلب الأمر ضده في الانتخابات، التي يدخلها محاطاً بالقلق من السخط الشعبي الذي يواجه عجزه عن ضبط الأوضاع طوال الشهور الماضية.

لكن الأمر ترافقه تعقيدات أكبر، فليل الجمعة الماضي، تداول الجميع في بغداد أنباء وإشاعات عن اعتزام المالكي فرضَ حالة الطوارئ، تمهيداً لفعل ما هو أكثر من اقتحام الفلوجة، وأنه أبلغ البرلمان رغبتَه تلك، رغم أن قانون الطوارئ أو "السلامة الوطنية" الذي تسلمه مجلس النواب الأسبوع الماضي، لم ولن يمر كما تحدث أسامة النجيفي رئيس البرلمان، بصراحة هو وساسة بارزون من كتل أخرى.

ويردد حلفاء المالكي أنه لن يحتاج إلى إذن من البرلمان لو شعر بأن الأوضاع تتطلب فرض الطوارئ، غير أن خصوم رئيس الحكومة يشعرون بالقلق حيال ما تعنيه أي خطوة في هذا الإطار، خاصة أن القانون الذي بعثه إلى البرلمان ظل بمنزلة رسالة إلى مراكز القوى في البلاد، تبلغهم أنه مستعد لإخضاع شخصيات بارزة لإقامة جبرية أو منعهم من التنقل داخل البلاد وخارجها، حمايةً للأمن القومي إن تطلب الأمر، وهو ما لم يحصل سابقاً في كل الأزمات العنيفة التي تعرض لها العراق.

ووسط السيناريوهات المقلقة التي يتداولها بعض الساسة، تحاول المصادر الشيعية أحياناً التهوين من ذلك، قائلةً إن أي حركة "هستيرية" يقوم بها المالكي ضد خصومه، ستبقى محدودة، موضحةً أن الرجل "مرتاب بشدة" من حظوظه في الاقتراع، ومن حظوظه في إقناع الأحزاب الأخرى بولاية ثالثة له، وتحت هذا الضغط قد يقوم ببعض "التحركات غير المسبوقة"، لكن الأطراف الشيعية تبدو واثقة بأن أي تحرك من هذا النوع "لن يخرج عن السيطرة" ولن يهدد النظام الديمقراطي، معولةً في هذه التقديرات على نفوذ كبير لمرجعية النجف الدينية التي لن تسكت في تلك الحالة، وأيضاً على التأثير الإيراني الواضح على فريق المالكي، لأن طهران لن تقف متفرجة على "أجواء انقلاب في بغداد".