من حق الرئيس الأميركي أن يرسل 275 جندياً لحماية سفارة بلاده في بغداد، فهذه مسؤولية، هو وحده يتحملها، لا سيما أنَّ مرارة ما حدث للسفارة الأميركية في ليبيا لا تزال عالقة في حلقه حتى الآن، لكن ما ليس من حقه هو ألا يرى إلا السفارة الأميركية في هذا البلد، الذي كانت أميركا ولا تزال مسؤولة عن كل الويلات التي حلَّت به منذ أن همست سفيرتها إبريل غلاسبي في "أذن" صدام حسين ما شجعه على ارتكاب حماقة غزو الكويت عام 1990، وبعد ذلك حصل ما حصل وما زال يحصل حتى الآن.. وربما سيبقى يحصل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!

Ad

لقد ارتكب باراك أوباما خطأً قاتلاً، عندما بادر إلى سحب القوات الأميركية من العراق قبل أن تستقر الأمور، وقبل معالجة الجرائم التي ارتكبها جورج بوش "الابن" بتسليمه هذا البلد تسليم اليد لإيران وإعادة "تركيبه"، بعد "فرْطه" وتدمير دولته وحل جيشه على يد بول بريمر سيئ الصيت والسمعة، وفقاً لمعادلة ظالمةٍ أعطت السُّنة العرب أقل كثيراً مما يستحقونه وعرَّضتهم، على أساس أنهم هم "المهزومون" وأنَّ الآخرين هم "المنتصرون"!، للإقصاء والتهميش والظلم التاريخي واستباحة الكرامات.

ولعل ما هو غير مستغرب ولا مستبعد أنْ يستعين باراك أوباما، الذي بات معروفاً بتردده وبتراجعه قبل أن يصيح الديك عن قرارات اتخذها ووعودٍ قطعها على نفسه، في البداية وفي النهاية بالإيرانيين لمواجهة ما يسميه هو ويسمونه هم أيضاً الإرهاب، والمقصود هنا ليس "داعش" الذي جرى تضخيمه أكثر من اللزوم لإيجاد مبرر لذبح السنة العرب وإعادتهم إلى بيت طاعة نوري المالكي وإلزامهم مجدداً، بعد تمردهم الحالي، بمعادلة: "المنتصر" و"المهزوم" الآنفة الذكر وإجبارهم على الاستسلام لكذبة أنهم أقلية صغيرة وذلك مع أنهم كانوا ومازالوا المكون الرئيسي للدولة العراقية.

إن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن استمرار هذا الصراع الذي بقي محتدماً في سورية كل هذه السنوات الطويلة، وهي المسؤولة عن "اختراع" كذبة أن بشار الأسد يخوض هذه الحرب التي يخوضها ضد الإرهاب دفاعاً عن نفسه ونظامه و"ديمقراطيته"! وأيضاً عن الديمقراطية الغربية، ثم ان إدارة الرئيس أوباما كانت تكذب على نفسها وعلى الشعب الأميركي العظيم وعلى العالم كله، عندما كانت تقول لتبرير تقاعسها عن دعم الجيش السوري الحر بالأسلحة النوعية التي يحتاج إليها أنها تخشى من أن يحصل ما حصل في أفغانستان، وأن تصل هذه الأسلحة إلى أيدي التنظيمات والمجموعات الإرهابية ومن بينها "داعش" التي بات حتى أصحاب أنصاف العقول يعرفون أنها من صنع المخابرات السورية والإيرانية.

ما كان على الرئيس باراك أوباما أن يفسح المجال لاستمرار هذا الصراع المدمر في سورية كل هذه الفترة وأن يسمح لإيران ونوري المالكي وحسن نصر الله بالتدخل كل هذا التدخل العسكري في شأن من المفترض أنه شأن سوري داخلي وأنه شأن عربي، لو لم يكن موافقاً، وإن بينه وبين نفسه، على تمزيق هذا البلد العربي وتقسيمه وعلى انتقال عدوى التشظي والانقسام إلى العراق الذي يفترض أن الحفاظ على وحدته وتماسكه مسؤولية الولايات المتحدة باعتبار أنها دولة محتلة عليها أن تسلم البلد الذي احتلته إلى أهله كما كان قبل احتلاله.

لقد أصبحت مصداقية الولايات المتحدة مشروخة ومهزوزة سواء في هذه المنطقة أو في العالم بأسره بعد الهروب من الصومال وتركه للشراذم الإرهابية لتفعل به ما تشاء وبعد الانسحاب الفوري من أفغانستان بعد انسحاب القوات السوفياتية منها، وتركها تحت رحمة "طالبان" و"القاعدة" والمجموعات الإرهابية التي كلها إذا أردنا قول الحقيقة نشأت في حاضنة أميركية... والآن ونحن نرى ونسمع كل هذا الغزل الأميركي-الإيراني وكل هذا التضخيم المفتعل والمبالغ فيه لدور "داعش" وكل هذا الاستهداف المنهجي للسُّنة العرب فإننا لا يمكن إلا أن نعتبر الولايات المتحدة متورطة في مؤامرة متفاهمة بشأنها مع إيران لتقسيم العراق وتقسيم سورية، وربما هناك في هذا الشأن شيء مخفي أعظم ستكشف عنه تطورات الأيام المقبلة التي قد تكون ليست بعيدة!