يمثل تزايد القضايا العائلية أحد الاسباب البارزة في ارتفاع معدلات القضايا التي تنظرها المحاكم بشكل يومي، وباتت عبئاً إضافياً على المحاكم بسبب كثرتها وتنوعها في مختلف المجالات، حتى وصلت بعض القضايا العائلية إلى «الدستورية» ولجنة التحقيق الدائمة في محكمة الوزراء.

Ad

لم يعد الأمر مجرد تقاضٍ بين الأسرة الواحدة من أجل الحصول على الحقوق الضائعة، بل تحول إلى لدد في الخصومة وتجاوز لحق التقاضي الطبيعي، بدأ بدعوى ندب خبير وانتهى إلى شكاوى جزائية رغم أن أساس النزاع مدني أو تجاري فيما بين أفراد الأسرة الواحدة!

أكثر من 10 أسر تتداول قضاياها حاليا أمام المحاكم بعد أن بدأت النزاعات قبل 10 سنوات والبعض الآخر أقل من ذلك حتى وصلت معدلات القضايا المتبادلة بينها قرابة الـ3 آلاف قضية أو يزيد عن ذلك بعد أن فشلت كل الحلول الودية في تداركها أو وضع حد لها.

ليست المحاكم وحدها هي المنشغلة بنظر القضايا العائلية بل جهات التحقيق، كالادعاء العام التابع للإدارة العامة للتحقيقات والنيابة العامة وإدارة الخبراء علاوة على إدارة التنفيذ التي تتولى أمر تنفيذ الأحكام القضائية بعد صدورها أو سعي الخصوم إلى التوجه إليها لتعطيل أمر تنفيذ الأحكام الصادرة في سبيل تدارك أمر تنفيذها.

عدم التقنين

إلى ذلك يقول أستاذ القانون العام د. جاسم العنزي إن ارتفاع اعداد القضايا العائلية نتيجة طبيعية لعدم قيام المشرع الكويتي بوضع تنظيم تشريعي يقنن هذا النوع من المنازعات أمام المحاكم، والذي أصبح اليوم يمثل عبئا كبيرا ليس على المحاكم فقط وإنما على جهات التحقيق بأنواعها في التحقيقات والنيابة العامة وكذلك إدارة الخبراء، وكان الأولى على المشرع أن يخضعها لقيود كاللجوء إلى جهات متخصصة بعرض الصلح قبل اللجوء إلى القضاء لما سيؤدي ذلك إلى تخفيض عدد المنازعات المعروضة أمام القضاء، كما سيسهم ايضا إلى عرض أمر الصلح بين الأسر المتنازعة أولا وبجلسات مطولة قبل عرض النزاع أمام القضاء.

ويضيف العنزي ان على المشرع البدء في وضع حلول واقعية للحد من القضايا التي تمثل عبئا إضافيا أمام المحاكم مع مراعاة لطبيعتها، على أن ألا تكون الحلول مقيدة لحق التقاضي الذي كفله الدستور، وأن يكون القصد منها هو تنظيم حق التقاضي لا تقييده على اعتبار أنه حق كفله الدستور.

قضايا تركات

و‏‫يقول المحامي محمد دشتي انه عند طرح موضوع الخلافات العائلية والدعاوى المنظورة في المحاكم لهذا الجانب يتضح أن أغلب تلك القضايا وليد خلاف بين الورثة وشركائهم على الإدارة سواء كانت إدارة مالية للمجموعات التجارية أو حتى لإدارة الوقف او الثلث الخيري، لافتا إلى أن بعض التجار استن ممن توفاهم الله أن يحددوا في وصية مفصلة حق الإدارة وإسنادها لأحد الأبناء وترتيب التوالي على ذلك المنصب حتى لا يثور الخلاف في المستقبل، وهذا بالتأكيد طريق محمود.

ويضيف دشتي: «من الأولى والأجدى، وفي حالة عدم ذكر الترتيب في وصية مفصلة، أن يتم اللجوء إلى التحكيم وتحديد المحكمين من أقرب التجار لشخص المرحوم سواء من داخل العائلة أو خارجها بهدف التوفيق بين الأطراف والسعي الى حل تلك الخلافات بطريق يحمل خاصيتين: الاجتماعية والتوفيق بطرقٍ سمحة، والفرض الملزم لحكم المُحكم، دون أن تثير تلك الخلافات الحزازات الأسرية فينقطع العقد الفريد وتضيع السمعة التجارية في أتون النزاع والتخاصم وقطع أواصل الرحم.

قضايا مؤلمة

من جانبه يقول المستشار في إدارة الفتوى والتشريع جمال الجلاوي ان القضايا العائلية هي من القضايا المؤلمة والمزعجة في نفس الوقت وهي لا تقف عند حد التقاضي فقط بل تمتد إلى تفكك هذه العائلة واثارة المشاكل الكثيرة التي لا تخطر على بال، كما ان اثارها تمتد من جيل إلى جيل فهي تنتقل الى الاحفاد، فضلا عن ضياع الاموال وتفككها بعد ان كد فيها الاجداد وبذلوا فيها الجهد والعرق بكل انواعه، مضيفا: «على الرغم من تلك المشاكل فانه كان يمكن حلها ببساطة دون اللجوء للقضاء، اذ ان هذه القضايا مكلفة جدا سواء على افراد العائلة المتخاصمين او الخزانة العامة واشغال المحاكم والجهات الحكومية المعنية».

بدوره يقول المحامي مهند الساير انه «مع تطور الحياة وتقدمها ومستجداتها لاشك أنها تحتاج الى المواكبة التشريعية للقوانين حتى تتمكن المحكمة من إصدار الأحكام المناسبة، لكننا أصبحنا نعاني كثيرا من قدم القوانين مما يجعل المحكمة في مساحات ضيقة للتطبيق.

ويضيف الساير قائلا: «كما أصبحت القضايا الأسرية تشغل الكثير من الرأي العام وازدياد عددها، وإن كان لا يؤثر أمام المحكمة إلا أن عواقبه الاجتماعية تحتاج الى وقفة تشريعية حيث تلزم المحكمة كل المتقاضين في مسائل أسرية أن يخضعوا لنوع معين من الإجراءات السابقة للقضايا حفاظًا عليها من التشعب القضائي، كما هو الحال في حالات الطلاق ولكن لا يمنع من حقهم في بعض القضايا التي يخشى منها ضياع الحقوق ان تنظرها المحكمة في هذا الشق».

ويقول المحامي عبداللطيف الزير: «لا شك ان كثرة القضايا العائلية لها تاثير كبير على المحاكم وبالاخص (قضايا التركات)، ومن اسباب اللجوء الى المحاكم بقضايا التركات هو عدم الالمام بالجوانب القانونية، منها على سبيل المثال قيام أحد الورثة باستغلال توكيل مورثه بعد وفاته، وان كان استعماله للتوكيل بحسن النية إلا أن القانون يوجب وقف التعامل مع تلك الوكالات لوفاة الموكل».

ويضيف: «إن القضايا العائلية بين الورثة في بعض الاحيان قد تصل الى حد لا يمكن حله الا باللجوء للقاضي الطبيعي وعلى درجات التقاضي الثلاث، وهذا الحق كفله الدستورالكويتي، مبينا انه على الورثة لتجنب المشاكل المستقبلية في أمور التركات مخاطبة الجهات المختلفة (بنوك، وزارات، بورصة... الخ ) بعد وفاة مورثهم، وذلك لعدم وجود ربط آلي بين الجهات المختلفة.

٢٠٠ قضية بين محام وطليقته!

كشفت مصادر قانونية لـ«الجريدة» أن أحد المتقاضين، وهو محام، بينه وبين طليقته قرابة الـ٢٠٠ قضية بسبب النزاعات المتواصلة بينهما، التي بدأت قبل ١٤ عاما ومازالت مستمرة حتى أنها وصلت الى مختلف المحاكم، ومن بينها المحكمة الدستورية ولجنة تحقيق محكمة الوزراء، لافتة الى أن القضايا بين الطرفين في استمرار وعلى ما يبدو لن تكون له نهاية!

صلح ثم استمرار !

أكدت مصادر قانونية لـ«الجريدة» أن هناك قضايا بين عدد من الأسر العائلية على الميراث والتركة بدأت منذ ١٥ عاما ومازالت مستمرة وتم تقديم دعاوى فيها الى أن وصلت الى الشكاوي الجزائية، صدرت حينها أحكام قضائية بالسجن وبعدها تم عرض الامر للقيادة العليا للصلح، الا انه لم يتم الصلح النهائي فعاد الاطراف الى المحاكم ومازالت القضايا في استمرار!