يتضمن معرضك الأخير تعبيراً جديداً بالنسبة إلى مشروعك الفني، ما سبب هذا الاتجاه؟

Ad

قدمت في معرضي السابع تجربة فنية مغايرة تمزج بين النقوش على الجدران وفلسفة الفن الإسلامي، معتمداً على استخلاص مضمون لوحاتي من الشخابيط على الجدران وعفوية ممارسة هذا العمل أثناء الطفولة، ودمجت هذه التلقائية بمبدأ التكرار في الفنون الإسلامية، إذ كانت تراودني هذه الومضات على فترات متقطعة ومتباعدة واستقرت في الذاكرة، لا سيما أثناء تنفيذي أعمالي عبر الأسلوب السابق، فتشكل محتوى المعرض في خيالي قبل ترجمته بالفرشاة واللون، وعقب نضوج الفكرة في الخيال، خضت مرحلة أخرى اعتمدت فيها على البحث والدراسة وصولاً إلى البانوراما الجميلة التي انتجتها.

لماذا تأخرت كل هذا الوقت قبل تنفيذ هذه الفكرة؟

تخطر في خيال الإنسان أفكار متنوعة، بعضها يتلاشى سريعاً وبعضها الآخر يستقر في الذاكرة والوجدان، لكن هذا الشكل الفني راودني منذ أيام الصبا، عندما كنت أنتظر شقيقتي أمام المدرسة الشرقية للبنات لاصطحابها معي إلى البيت، وكنت أمضي هذا الوقت في الرسم أو الشخبطة على الجدران، فرسمت أشكالاً عفوية بسيطة وشعرت بمساحة حرية كبيرة على الجدران، وبعد بضعة أعوام بدأت ممارسة التشكيل، ولازمتني هذه الإضاءات. في منظوري، كل فنان ينطلق من طفولته وما يختزنه في الذاكرة في هذه المرحلة المهمة، ولاحقاً يستدعي أجزاءً من هذه المشاهدات والتجارب عبر نتاجه، سواء في التشكيل أو السينما أو الأدب، لكن ليس من السهولة ترجمة هذه المشاعر كافة في الوقت الذي يريده، بل ثمة مراحل يعاصرها قبل تنفيذها، ويستلزم الأمر بعض الخبرة وربما ينتج أعمالاً يتلمس فيها الرؤية التي يبحث عنها.

هل تعني أن ثمة أعمالاً ينتجها الفنان لا تصلح للعرض؟

اللوحة في مشوار الفنان مجرد محطة تعقبها محطات أخرى. بالنسبة إلي لا أعرض أي عمل إن لم أكن راضياً عن شكله النهائي ومضمونه، لذلك مررت بمراحل في مشواري الفني، ولكل منها خصوصية وفلسفة. خوض التجارب مهم في تدعيم مشوار الفنان، ويحتاج هذا المنهج إلى البحث وصولا إلى الصيغة المثلى، لا سيما إذا كان الفنان موهوباً ولديه قدرة على الإبداع والابتكار.

هل يستطيع الفنان طرح موضوعاته بحرية؟

يرصد الفنان التشكيلي الأحاسيس في المجتمع والأمور التاريخية منفذاً، من خلال خبرته التراكمية ونظرته الفلسفية، فينقل عبر لوحاته الشكل الجمالي. لا يعني ذلك أن الفنان لا يتأثر بالظروف التي يعيشها بل تجد بعض التجارب التشكيلية موسومة بدرجات اللون الأحمر الفاقعة، بينما نماذج أخرى ترسم الجمال والمناظر الطبيعية، وفقاً لحالة الفنان، سواء في السلم أو الحرب. في ما يتعلق بالطرح السياسي، أرى أن الفن الكاريكاتوري هو الأنسب في ترجمة هذه الموضوعات، لأنه يختصر في رسم، الأحداث ضمن خطاب بصري.

هل ساهم الإنترنت في خدمة الفن؟

ثمة أمور إيجابية كبيرة قدمتها الشبكة العنكبوتية للفن التشكيلي. أذكر أننا في السبعينيات كنا نحتاج إلى ستة أشهر لإتمام الخطابات وإرسال الأعمال المشاركة ضمن الفعاليات الخارجية، بينما نحتاج راهناً إلى وقت أقل لإتمام هذه المشاركة، لتوافر موقع إلكتروني لكل فنان يعرض فيه أعماله وسيرته الذاتية، فضلاً عن أن وسائل الاتصال الاجتماعي استثمرها الفنان في التعريف عن نفسه ومنتجه.

أما بخصوص السلبيات فلها أسبابها، في مقدمها الرغبة في الحصول على التميز وتقديم الأفضل من خلال ارتكاب جريمة فنية وفعل لا يليق بأخلاق الفنان المرهف الإحساس، لذلك تجد بعض الفنانين ضعاف الموهبة وفاقدي الفكر المستنير يلجأون إلى السرقة والسطو على أفكار الآخرين، من خلال نقل أعمال فنية عالمية عبر نتاجهم الفني، ظناً ألا أحد يكتشف سرقتهم.

هل توضح لنا أكثر ما ترمي إليه؟

حسنا، ربما تنطلي الخدعة على البعض، وقد حدث ذلك فعلاً عندما حصل بعض الفنانين على جوائز محلية، وهم لم يكلفوا أنفسهم البحث والإطلاع والدراسة، بل نسخوا أعمالا عالمية، وشاركوا في مسابقات محلية، طمعاً في كسب المال والحصول على مكانة لا يستحقونها، ومن سوء الطالع تحققت مآربهم، عبر اختيار أعضاء لجان تحكيم لا يملكون ثقافة فنية أو خبرة في الأعمال التشكيلية، وعدم الاهتمام بتصحيح هذه الناحية للحد من هذه الأوضاع الخاطئة، لذلك أطالب وزملائي التشكيليين باختيار أعضاء يعون جيداً المهمة الموكلة إليهم، ولديهم مخزون فني ومعرفي وخبرة في المنتج التشكيلي العالمي.

حديثاً، شاركت في لجنة التحكيم لمعرض القرين التشكيلي الشامل، كيف تقيّم هذه التجربة؟

اكتشفت مجموعة أعمال منقولة من أعمال عالمية، وقد أبديت رأيي بصراحة لزملائي، لأنه من الظلم والإجحاف أن تُمنح الجائزة لعمل مسروق أو منقول، لذلك ثمة دور كبير على «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» و»الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية» الاضطلاع به في اختيار أعضاء لجان التحكيم بعناية ودقة وعدم التساهل في هذا الشأن.

ما الدور الذي يتمناه الفنان من الدولة ممثلة بالمؤسسات التشكيلية؟

نأمل أن يصدر مرسوم ينص على تضمين أي مبنى حكومي أو إدارة تابعة للدولة بعض الأعمال التشكيلية الكويتية المستوحاة من بيئتنا، كنوع من الدعم لحركة التشكيل، كذلك نشر الوعي الثقافي والتعريف بالمنتج التشكيلي المحلي، لأن التحضر يقاس بفنون الأمة وثقافتها، كذلك نطالب بإزالة أي عمل فني تدور حوله شبهات أنه مستنسخ من أعمال أخرى، وهذا أمر مخزٍ، لأنه حينما تعرض إحدى المؤسسات الثقافية الحكومية أعمالا مشبوهة سيكون تأثيرها كبيراً لدى المتلقي المحلي أو الأجنبي.

كيف تقيّم المشاركات الخارجية للفنانين الكويتيين؟

لا أعتقد أن المشاركات الجماعية ضمن فعاليات خارجية تخدم الحركة التشكيلية، بل أفضّل العرض الفردي وانتقاء تجربة فنية وعرضها في إحدى الدول، لأن العرض المتنوع لمجموعة فنانين ربما يحدث «لخبطة» لدى المتلقي، لا سيما أن ثمة صعوبة في انتقاء لوحتين يختزلان تجربة فنان ومشواره.

ما رأيك بالنشاط الذي يقدمه فنانو المرسم الحر؟

إعادة هذا الصرح التشكيلي إلى الحياة أمر إيجابي، بينما يحتاج الكيان إلى أفكار جديدة لمواكبة التطور، لأن نمط السبعينيات لا ينفع في الألفية الثانية، لذلك يجب تحديد إدارة متكاملة للمرسم الحر، لتضع خارطة طريق تتحقق أهدافها من خلال عمل منهجي.