ليس صحيحا ما يقال بأن: «ما الحب إلّا للحبيب الأولِ»، الحب الأول كذبة بيضاء، الحب الأول قرص مسكّن لألم الاحتياج، الحب الأول تمرين لنبض القلب، وتمرين لعضلة الشوق ولياقة الوله، وتمرين لشكيمة الصبر، وتدريب لصوت الحنين على «الصولفيج»!

Ad

الحب الأول يشبه علبة هدية نصفها بالقش وقطع الورق الصغيرة الملونة، بينما لا تشغل الهدية ذاتها سوى جزء صغير من النصف المتبقي من تلك العلبة!

الحب الأول هو أول من نصادفه ونظن أنه المدرس الذي يملك كل المعرفة باللغة، فنخضع له صاغرين ليعلمنا أبجدية الكلام!

ولأننا نجهل أي شيء عن الحب، نؤمن بأن كل ما يقوله عن الحب هو الحق،

ولأنه هو الهوى، فإننا نصدّق بأنه رسول لا ينطق عن الهوا!

الواقع أن الحب الأول ليس ضرورة أن يكون معلماً جهبذاً، ولكن قلة معرفتنا تجعل منه كذلك، جهلنا يجعلنا نشعر أمامه بالصغر، وقلة الحيلة، والامتنان لأنه يعلمنا ما ليس نعلم، ويضيء لنا عقولنا المحاصرة بالظلام بكل ما يتعلق بشؤون الحب، يأمرنا فنطيع، يصرخ بنا فنهرول مسرعين، يصفعنا على خدنا الأيمن فندير له الخد الأيسر، نظن أنه مخرجنا الوحيد من الظلمات إلى النور، قد يصادف أن يكون حبنا الأول أحمق، أو غبي، أو جاهل لا يعرف عن الحب أكثر مما نعرف، لكنه يمارس سلطته علينا مستغلاً جهلنا بأنه لا يعرف، وبدل أن يخرجنا هذا المعلم من الظلمات إلى النور، يقودنا إلى الدرك الأسفل من الدجى، وبدل أن يرشد قوافلنا العطشى إلى مناهل الماء، يأخذ بعنانها إلى واحات الظمأ، وعوضا عن الثمر الحلو الذي وُعدنا به، تصبح أفواهنا مواطنا للحنظل، وكنا حلمنا بأن تكون حقول القرنفل الحمراء سجادة تفترشها أقدامنا، فإذ بحقول الشوك تصبح دربنا الوحيد تلونه دماء خُطانا،

مثل ذلك الحب الأول، مثل المعلم الذي قد يكون علّمنا الأبجدية، إلاّ أنه أفهمنا أن قصائد الغزل في المراثي وفي كلمات الهجاء.

ترك في ذاكرتنا عنقود مرارة لا يجف ولا يذبل أبداً، خلّف في قلوبنا غصناً من الكره للحب لا يخونه ربيع الضغينة، قد لا يكون الحب الأول دائما ذلك المعلّم الفاشل، ولكن قطعا الأولوية لا تعطيه مطلقا ميزة الصواب!

بل الأقرب أن أولويته تلك هي ذاتها سبب نقصه، وعلّة فشله، وإذا كان هناك ثمة فضل عظيم للحب الأول، هو أنه تجربتنا الخطأ التي دلتنا على الصواب لاحقاً!

هو الخطوة الأولى التي سرناها لنصل بعد حين وربما بعد تجارب أخرى إلى الحب الذي نطمح له ونتمناه، هو أول الحلقات في السلسلة الموصلة لسرّ الحب المقدس، الحب الأول يشبه حبا كثيرا بعده إلى أن نعرف الحب الذي نكتمل به ونرى من خلاله أجمل ما فينا، نكتشف كثيرا من الحب أن نهتدي للحب الذي يكتشفنا، فنعرف أنه حب العمر، نختبر كثيرا من الحب حتى نهتدي للحبيب الأجمل، والذي سيكون هو الحب الذي لا يقارن بأي حب غيره.