إذا أردت أن تعرف حقاً كيف يعمل الاقتصاد في الوقت الراهن فتوجه إلى موقع غوغل، ذلك هو على الأقل الهدف الذي يسعى إليه عدد متزايد من الباحثين الذين تحولوا إلى المعلومات الواسعة، يحدوهم الأمل في أن يتمكنوا من كشف أسرار الاقتصاد عبر سرعة شبكة الإنترنت، وتثير هذه الحركة اهتماماً كبيراً في أوساط صناع السياسة في واشنطن وحول العالم، وقد تملكهم الإحباط نتيجة الغياب الطويل للإحصاءات الحكومية الرسمية خلال اتخاذهم قرارات يمثل التوقيت فيها كل شيء.

Ad

هل تريد معرفة مسار الأسعار في 86 دولة في يوم معين؟ يقوم مشروع في معهد ماساشوستس للتقنية برصد ذلك لدى الآلاف من باعة التجزئة، كم عدد الأشخاص الذين سوف يتقدمون بطلبات إعانة بطالة خلال أسبوع واحد؟ يلجأ خبراء اقتصاد في جامعة ميتشغان إلى "تويتر" من أجل تقدير عدد المتقدمين الجدد، فهل يعثر المزيد من الشبان على وظائف جديدة؟ يشير موقع غوغل إلى أن بحث ترفيه البالغين يمكن أن يوفر دليلاً على ذلك.

دور الإحصاءات

ويقول ماثيو شابيرو وهو اقتصادي في جامعة ميتشغان ويعمل في مشروع موقع "تويتر": "تقدم لنا الإحصاءات معلومات جيدة حقاً، وهي أساسية تماماً كأساس لتحديد وتيرة الاقتصاد الآن، أو بشكل أكثر دقة، أين كان، ولكن ليس لدينا الكثير من المؤشرات التي تحدد لنا ما الذي يحدث في الوقت الراهن، وخاصة عند تغير اتجاه الاقتصاد".

وفي حقيقة الأمر، توجد دعابة تقول "إن الاقتصاد أشبه بقيادة السيارة من خلال النظر إلى المرآة لمشاهدة المناظر الخلفية"، ويؤكد ذلك إعلان الحكومة يوم الخميس أن الاقتصاد انكمش قبل شهرين، وأول قراءة رسمية حول أوضاع الاقتصاد الحالية لن تكون جاهزة قبل شهر يوليو.

ويعتبر التأخير نتيجة طبيعية لطريقة الحكومة الممعنة في التفاصيل في جمع المعلومات، والتي لا تزال تعتمد بشدة على محادثات هاتفية تجرى مع عائلات وشركات، وعلى الرغم من أن أرقامها تعتبر المقياس الذهبي فإن حقبة ما بعد الركود الكبير أظهرت أن المعلومات قد تصل متأخرة جداً بالنسبة إلى صناع السياسة في لحظات مهمة تماماً في التعافي الاقتصادي.

الانكماش في النشاط الاقتصادي في بداية هذه السنة، على سبيل المثال، حدث خلال نقاش المشرعين في واشنطن حول ما إذا كان يتعين تمديد فترة المنافع للعاطلين عن العمل في الأجل الطويل، وقد ضعف ذلك الإجراء لأن المسؤولين كانوا يعتقدون أن وتيرة التعافي تزداد قوة.

انتهاء برنامج التحفيز

وتصادف التباطؤ أيضاً مع انتهاء مرحلة برنامج التحفيز في مجلس الاحتياطي الفدرالي بتريليون دولار، وهي خطوة كان يفترض أن تشير إلى ثقة البنك المركزي بالاقتصاد، وقد أقرت رئيسة المجلس جانيت يلين في خطاب ألقته حديثاً بأنها ربما "بالغت في التفاؤل" في وقت سابق من هذه السنة.

ويقول كيث هول وهو باحث رفيع في مركز ميركاتس في جامعة جورج ميسون، ورئيس سابق لمكتب إحصاءات العمل "أنت لا تضيع الدقة بل نقطة تحول".

في خضم الركود نشر هال فاريان، وهو كبير الاقتصاديين لدى غوغل، ورقة تظهر كيفية استخدام معلومات بحوث الشركة من أجل قياس عمليات مبيعات السيارات وإنفاق المستهلكين، وذلك ضمن خطوات أخرى. ويستخدم الباحثون الآن، داخل أوساط الحكومة وخارجها، تلك الطريقة من أجل تقدير كل شيء من معدلات البطالة الى التخلف عن سداد الرهونات العقارية.

ويقوم بنك إسرائيل وبنك إنكلترا بدمج تحليلات غوغل ببعض توقعاتهما، وفي الشهر الماضي ألقى فاريان خطاباً في ورشة عمل حول معلومات تم جمعها من البنك المركزي الأوروبي، كما أطلع في الآونة الأخيرة مسؤولي البيت الأبيض على كيفية استخدام معلوماته، وسوف يقوم خلال شهر يونيو الجاري بزيارة مجلس الاحتياطي الفدرالي في سان فرانسيسكو لحضور حفل تنظمه مجموعة صناعية هناك.

ويقول هال فاريان "ليس لدينا أي طرق أفضل للتنبؤ بالمستقبل، وما نعمل عليه هو التنبؤ بالوقت الحاضر".

شروط البحث والمؤشرات الاقتصادية

وتعتمد النماذج على الصلات بين شروط البحث الرئيسة والمؤشرات الاقتصادية ذات العلاقة، وعلى سبيل المثال فإن الزيادة في بحوث كتاب "كيلي بلو" تواكب بشكل نموذجي قفزة في مبيعات السيارات، ولكن الروابط ليست واضحة تماماً بصورة دائمة.

وقد تبين لغوغل أن معدلات البطالة المرتفعة لم تكن مرتبطة فقط بجمل مثل "الشركات التي تقوم بالتوظيف"، وكانت مترابطة بصورة وثيقة أيضاً مع بحوث حول تقنية جديدة "تطبيقات مجانية" وأنشطة ترفيه (مبتدئ غيتار)، وقالت الشركة إن معلوماتها يمكن أن تسهم في تحسين دقة التقديرات القياسية لمعلومات الاقتصاد بنسبة 10 في المئة في الشهر الحالي.

وفي جامعة ميتشغان استعرض شابيرو وزملاؤه أكثر من 19 مليار تغريدة خلال سنتين بحثاً عن مراجع تتعلق بالبطالة وتعابير "إنهاء" و"قصاصة وردية" و"تخفيض"، وعمدوا الى فهرسة النتائج التي توصلوا اليها ثم مقارنتها مع حصيلة الأرقام الحكومية الأسبوعية بالنسبة الى الأشخاص الذين تقدموا بطلبات إعانة بطالة لأول مرة.

كانت النتائج متشابهة بصورة بارزة، وإذا كانت مختلفة يكون مؤشر "تويتر" أكثر تعويلاً وموثوقية، وتجدر الإشارة الى أن تعطل الحواسيب وإغلاق دوائر الحكومة في السنة الماضية شوهت الأرقام الرسمية، في حين حافظت اتجاهات مؤشر شابيرو على ثباتها.

كيفية القياس

وقال شابيرو "إذا كانت هذه طريقة تواصل الناس فإن علينا محاولة معرفة كيفية القيام بالقياس بتلك الوسيلة".

ويوجد سبب آخر يدفع خبراء الاقتصاد الى تجربة أنواع جديدة من المعلومات؛ تخفيضات الميزانية الفدرالية تعني أن الحكومة تصدر كمية أقل من الإحصاءات.

وقد خفض مكتب إحصاءات العمل ميزانيته 30 مليون دولار، أو 5 في المئة، في السنة الماضية استجابة لتخفيضات الإنفاق الفدرالي الشامل، ولم يعد يصدر دراساته حول عمليات التسريح الجماعية، وربما يقلص إحصاءاته الفصلية المتعلقة بالتوظيف والأجور، التي توفر الأساس المهم لتقديرات الوظائف الشهرية.

ومن المرجح أن تنكمش نوعية بعض معلومات مكتب إحصاءات العمل وكميتها نتيجة توافر عدد أقل من الموارد، من أجل جمع المعلومات واستعراضها أو القيام بتحليلها، وذلك بحسب ما جاء في بيانات المكتب على موقع على الويب.

وعلى الرغم من ذلك، لا تزال المعلومات الواسعة في مراحلها الأولية، وفي حقيقة الأمر فإن أحد التحديات الرئيسة المتعلقة باستخدام المعلومات يكمن في تاريخها القصير: تأسس "تويتر" في سنة 2006 وبدأت الحكومة الأميركية بحساب الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الركود الكبير أو ما يعرف باسم الكساد العظيم.

مشاعر القلق

إضافة إلى ذلك أيضاً هناك مشاعر قلق من كون الأشخاص الذين يستخدمون الشبكة العنكبوتية أو مواقع التواصل الاجتماعي لا يمثلون حقاً الشريحة العريضة من السكان، وهو ما يفضي الى تشويه وتحريف النتائج. وإذا قال الاقتصاديون الذين يعملون في مجال المعلومات الواسعة والعريضة إنهم يعمدون الى تعديل الحصيلة بحيث تتطابق مع تلك العوامل فإن تلك التقنيات لا تزال قيد الإعداد.

ويقول غاسبر ماكماهون وهو مؤسس مشارك في "ناو– كاستنغ إيكونوميكس" التي لا تعمد الى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو اتجاهات البحث في حساباتها "قد تكون عرضة للضياع نتيجة قدرتك على الوصول الى الجماهير العريضة والى القدر الكبير من المعلومات، ولكن ذلك يعرضك الى كم هائل من الضجة".

من جهة أخرى أثارت مجموعات ثانية قضية أساسية بقدر أكبر وهي: في نهاية المطاف، يمثل استخدام المعلومات الواسعة مجرد طريقة أسرع من أجل حساب ما تقوم الحكومة به في الأساس، كما أن البعض يجادل في أن ما تدعو الحاجة إليه في حقيقة الأمر بدلاً من ذلك يكمن في إصلاح طريقة قياسنا- وحكمنا– على العالم من حولنا من أجل تضمين جوانب ملموسة مثل الشعور بالسعادة والتعليم والصحة.

ويقول زاخاري كارابل وهو اقتصادي ومؤلف كتاب بعنوان "المؤشرات الرائدة": "لا يوجد حقاً حجم واحد يلائم كل الأرقام التي تصف تجربة كل شخص أو حتى معظم الناس، وأنا لا أظن أن علينا خلق ذلك الخيال".    

Ylan Q.Mui