"إن كسرت الشيء أصبح ملكك”.

Ad

 مثل أميركي.

وإن كان تدخل أميركا في العراق هو الحل، فهو أيضاً جزء أساسي من المشكلة.

ضمت الحلقة النقاشية بواشنطن عدداً مهماً من الخبراء والمتخصصين الأكاديميين والممارسين، والمسؤولين الأميركان. تطورات العراق كانت حاضرة بقوة.

حالة الارتباك و"البعثرة الذهنية” في كيفية التعامل مع الحدث كانت تسود المكان. كانت هناك رغبة في الخروج بحلول سريعة، أكثر من محاولة لتفسير ما حدث.

اليمينيون ومعهم "المحافظون الجدد” يؤكدون أن ما يجري في العراق كان سببه الانسحاب الأميركي المبكر، مع أن قرار الانسحاب قد اتخذه الرئيس بوش. يرد معارضوهم بأن غزو العراق كان هو سبب المشكلة، وأن الاستخدام المفرط للقوة الماحقة، وافتعال الاسباب لاستخدامها، أضعف السياسة الأميركية في المنطقة.  أما الحلول المطروحة فأغلبها متأخر جداً.

المعدة الشعبية لا تهضم ولا تؤيد التدخل العسكري، نشرت نتائج ثلاثة استطلاعات رأي، لتؤكد رفض التدخل العسكري في العراق، حتى المحدود منه.

عندما احتلت أميركا العراق في ٢٠٠٣ أعلنت أنه سيكون نقطة انطلاق للقضاء على "محور الشر”، ولذا لم تبذل "سلطة التحالف المؤقتة” كما كان يطلق على حكومة "بول بريمر” أي جهد يذكر لبناء دولة مؤسسات، بينما كان بناء القواعد العسكرية مخططاً للبقاء مدة طويلة. وتمت إضافة إبداعات جديدة لانتهاكات حقوق الإنسان التي عاناها العراقيون على يدي نظام صدام، ولم تكن فضيحة معتقل "أبوغريب” إلا الأشهر منها.

طلبت أميركا من مجلس الأمن منحها صفة "دولة محتلة” لكي تتوافق مع اتفاقية جنيف الرابعة، ويصبح وجودها "مشروعاً” دولياً، فاشترط مجلس الأمن تسليم السلطة للعراقيين وإجراء انتخابات ضمن شروط أخرى، فتم تسليم السلطة إلى "مجلس الحكم” شكلياً فقط.

كان أظرف تصريح علني أطلقه بريمر كحاكم مطلق للعراق هو "علينا أن نحمي العراق من النفوذ الأجنبي”، وكأن مسقط رأسه الناصرية أو بعقوبة أو أبو الخصيب أو الجادرية مثلاً، وهكذا تزوج بريمر من المنطقة "عرفياً”.

تم حل الجيش وصار مئات الآلاف بلا مصدر رزق، وانطلقت عملية "التطهير السياسي”، وارتكزت العملية السياسية على المحاصصة، وتضاعفت معدلات الفساد، كل ذلك تم تحت نفوذ وسلطة أميركية مباشرة.

وكان أن وجدت الصراعات الطائفية "السياسية” تجاوباً إقليمياً ودولياً، مادياً وإعلامياً، واستخباراتياً، لتتفاقم الأمور في الحلبتين السورية والعراقية، وبدلاً من أن تستعيد الحكومة العراقية المبادرة لتخفيف التوتر دخلت طرفاً في أتون المبارزة الإقليمية، بما في ذلك تحييد عشائر "الصحوات” التي لعبت دوراً مهماً في السنوات الست الماضية.

وعندما جاء الحراك الشعبي العراقي السلمي عومل بالقمع الشرس. وحين ظهرت سورية  على الشاشة الاقليمية، وهي التي كانت "تسهل” للعناصر "الإرهابية” دخولها للعراق، كان لابد للمسائل أن تتقاطع، وبالتالي "داعش” وأخواتها.

أما مستقبل "داعش” ودولته، فستحدده مصالح دول الجوار الجغرافي، بالإضافة إلى التوازنات الإقليمية والدولية، ولن يكون "التقدم والانتصارات” إلا العنصر الأقل أهمية كما سنرى.