دوام سجل وصندوق الجهات الحكومية... في مهب مزاجيات الموظفين
وزارات ومؤسسات حكومية تغلق أبوابها قبل نهاية العمل بحجة التنظيم والتنسيق
معاملات وخدمات عدة، تربط المواطنين والمقيمين وشركات القطاع الخاص، بالجهات الحكومية في علاقة وثيقة، غير أن تلك العلاقة باتت مرتبطة بمزاجية مديري تلك الجهات وموظفيها، الذين يعمدون إلى تقليص ساعات العمل، لا سيما في السجل العام والصندوق العائدين للجهات الحكومية، بحجة التنظيم والتنسيق، وهو ما يعني تعطيل المصالح ووضع أصحابها في كثير من الأحيان في مشاكل قانونية، نتيجة التسيب وعدم الالتزام بساعات العمل الرسمية في القطاع الحكومي.
تأخير إنجاز المعاملات صفة ملتصقة بالوزارات ولهذا التأخير آثاره القانونيةتعاني معظم الأجهزة الحكومية أزمة في التزام الموظفين بساعات العمل، خصوصاً في القطاعات المعنية بالمراجعين وفي مقدمتها السجل العام والصندوق، وهو ما يشكل جزءا من أزمة أكبر تتمثل في البطالة المقنعة التي سيطرت على سوق العمل في القطاع الحكومي، فساعات الدوام الرسمية عادة ما تكون بحسب "مزاجية" الموظفين أو المديرين المسؤولين، وهو ما ينعكس على الخدمات التي تقدمها الوزارات والجهات الحكومية للمواطنين والمقيمين، وكذلك شركات القطاع الخاص، حتى بات تأخير إنجاز المعاملات صفة ملتصقة بالوزارات، بما لهذا التأخير من أثر القانوني على كثير من المعاملات التي تتأخر عن مواعيدها الرسمية نتيجة قرار غير مسؤول بعدم استقبال المعاملات قبل انتهاء فترة العمل الرسمية."الجريدة" فتحت هذا الباب المغلق، وسلطت الضوء على خفايا "ساعات العمل" وتأثيرها على التزامات المواطنين والمقيمين والشركات على حد سواء، فالساعة التي يمكن من خلالها إنجاز الكثير من معاملات المواطنين لا قيمة لها لدى الموظفين، مع أنها فرصة لإنهاء تنفيذ المعاملات المتأخرة نظراً لنقص عدد الموظفين، أو لنكن واقعيين أكثر لحجب حقيقة تغيب الموظفين عن كراسيهم.ازدحامات «الشؤون»في زيارة لإحدى إدارات العمل التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وهي إحدى القطاعات التي تعاني دوما ازدحاما شديدا وتعطلا في المعاملات، رحبت بنا على مدخل الإدارة ورقة مطبوعة كتب عليها "استقبال المعاملات حتى الساعة 12 ظهرا"! علما ان الدوام الرسمي للوزارة ينتهي في تمام الساعة 1:30 ظهرا، أي ان هناك ساعة ونصف الساعة تتوقف فيها الوزارة عن استقبال المراجعين لأسباب غير منطقية.ويؤكد أكثر من مسؤول أن الهدف من ذلك هو إتاحة الفرصة للموظفين لإدخال المعاملات ومراجعتها، خاصة ان إدارات العمل بشكل عام مرتبطة بالعمالة الوافدة وتجديد إقاماتهم، والتي تصل الى آلاف المعاملات يوميا.وبعد "الشؤون"، كانت المحطة الثانية وزارة المواصلات، والتي رغم التزام معظم موظفيها بساعات العمل الرسمية وتواجدهم على مكاتبهم واستقبال المعاملات بجميع أنواعها، إلا أنه لا وجود للكمال في أي مؤسسة حكومية! فالتزام الموظفين في العمل يقابله من ناحية أخرى أزمة الصندوق الرئيسي للوزارة الذي لا يستقبل المراجعين بعد الثانية عشرة والنصف ظهرا! ما يعني أن جميع المعاملات لا قيمة لها بعد تلك الساعة، رغم وجود الموظفين على مكاتبهم، لأن سداد الالتزامات المالية يتوقف قبل نهاية الدوام بساعة!قصر العدلأما وزارة العدل فهي الأخرى تطبق الأمر ذاته، فالسجل العام يغلق أبوابه في تمام الساعة الواحدة ظهرا، قبل نهاية العمل بساعة، وهو ما يعني تعطيل الكثير من المراجعات ذات الطبيعة القانونية، كما أن الصندوق يتوقف عن تسلم أموال الدولة أو أموال المواطنين والشركات في تمام الساعة 12 ظهرا أي قبل نهاية العمل بساعتين.ولعل "العدل" و"قصر العدل" تحديدا يفترض فيهما أن يكونا أكثر التزاما بأوقات العمل لما لهما من طبيعة قانونية خاصة في التعاملات، ولارتباطهما بحقوق مواطنين ومقيمين وشركات.صندوق «المواصلات»فعلى سبيل المثال، لا يتمكن مواطن أو مندوب شركة من الحصول على ورقة براءة ذمة من الوزارة بعد الساعة 12:30 ظهرا رغم وجود الموظفين لأن صندوق الوزارة أقفل، علما أن هذا الأمر يدخل في اطار التنظيم الإداري للعملية، وليس من باب هروب الموظفين من مقاعدهم، فهم متواجدون ولكن دون القدرة على تسلُّم المستحقات المالية للوزارة بعد تلك الساعة.ولا يختلف تبرير مسؤولي "المواصلات" عن "الشؤون"، ويبدو أن هناك اتفاقاً حكومياً- حكومياً على هذه الحجة، إذ يقول المسؤولون إن صندوق الوزارة يغلق في هذا الوقت لعمل الجرد الخاص بالمبالغ والشيكات التي تم تحصيلها، ونقلها إلى إدارة التدقيق المالي في قطاع المالية.«التجارة» وبينما تقتطع الكثير من الوزارات الساعات الأخيرة من الدوام الرسمي تحت ذريعة "التنسيق والترتيب"، فإن وزارة التجارة اتخذت طريقا آخر، فطوال أيام الاسبوع هناك التزام من الموظفين بساعات العمل مع وجود حالات منفردة من غياب الموظفين أو المسؤولين، إلا أن الوزارة استثنت يوم الخميس عن بقية الأيام، باقتطاع آخر ساعتين من الدوام، وذلك للتنسيق فيما بين الموظفين حول بعض الشؤون الإدارية وإجراءات المعاملات استعداداً للأسبوع القادم، وبعض الآليات الداخلية. وهو السبب ذاته الذي يردده المسؤولون في أي جهة حكومية لتبرير هذه الاستقطاعات.البنك المركزيوليس بعيدا عن "التجارة" ما يقوم به البنك المركزي، وهو من أهم الجهات في التعاملات المالية لكثير من المؤسسات المصرفية والشركات الاستثمارية، إذ يرتبط عمله بعصب الاقتصاد المحلي، غير أن مسؤوليه يغلقون باب السجل العام عند الساعة الواحدة، مع أن الدوام الرسمي ينتهي في الساعة 2:30 ظهرا.وهو ما يمثل مشكلة حقيقية بين "المركزي" والمؤسسات والشركات المالية في القطاع الخاص ذات الصلة مع البنك، والتي يستمر عمل معظمها حتى الرابعة عصرا.معاملات «الداخلية»وتعتبر وزارة الداخلية هي الأخرى، مقبرة جماعية لـ"ساعات العمل الأخيرة"، فهي الوزارة التي يرتبط بها الجميع من اكثر من جهة إلا أنها تتوقف عن استقبال معاملات الهجرة أو الإقامة بعد 12 ظهرا أيضا! أي أن المنتهية إقامته عليه الانتظار حتى اليوم الثاني ودفع غرامة تأخير تجديد، لأن الوزارة لديها طاقة استيعابية محددة في استقبال تلك المعاملات.ولا تختلف تلك الوزارة تحديدا عن "الشؤون"، فكلا الوزارتين تقوم بتوزيع أرقام الانتظار على المواطنين والمناديب صباحا، وعليك ان تكون محظوظا حتى يصل دورك لانجاز المعاملة قبل 12 ظهرا!ولكن هل استقطاع الساعات الأخيرة من الدوام الرسمي بحجة التنظيم يعد أمراً "عادياً"؟ قد يكون الأمر في ظاهره كذلك، ولكن هناك الكثير من المعاملات وحتى المراسلات الداخلية تكون مرتبطة ومحددة بتوقيت معين يجب تسليمها أو استلامها، فعلى سبيل المثال ترتبط شكاوى الموظفين أو تظلماتهم بحدود قانونية، فما ذنب هؤلاء إزاء عدم قدرتهم على تسليم أوراقهم في الساعات الأخيرة، مع أن ذلك قد يترتب عليه فقدانهم حقوقهم! والعكس صحيح أيضا، فما ذنب صاحب أي معاملة يريد انجازها بأسرع وقت، ولكن في المقابل لن يستطيع استلامها بسبب استقطاع تلك الساعات الأخيرة، مما قد يترتب عليه التزامات قانونية عليه في حال تأخر تسليمه تلك الأوراق لجهات أخرى.الرأي القانونييقول الخبير الدستوري وأستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد الفيلي إن الادارة منوط بها تنظيم العمل بغرض القيام بواجبات المرفق، مبيناً أن مثل هذا التنظيم يقود إلى تحديد ساعات لنوع معين من استقبال الطلبات بغرض توفير عمل آخر قد يكون للمراجعة وهذا جائز، أما إذا لم يكن الغرض من تقليص ساعات العمل في المرفق امام المراجعين لأهداف تنظيمية فهذا يؤدي الى اهدار مبدأ تسيير المرفق العام، ويمثل مخالفة على الادارة، ويكون المسؤول الاول اداريا عن ذلك هو الوزير، وله ان يحاسب المتسبب في ذلك من بين باقي المسؤولين.ويضيف الفيلي أن هناك حالات تستلزم استقبال المعاملات حتى نهاية الدوام الرسمي كحالة تقدم الموظف المتضرر من قرار، وبالتالي إذا لم يتم تمكينه بذريعة انتهاء وقت الاستقبال في جهة ما، فله ان يقوم بعمل اثبات حالة في احد مراكز الشرطة، ويقاضي تلك الجهة لأنه منع من ممارسة حق كفله له القانون.ويبين الفيلي أن أي تنظيم يجب ان يكون لمصلحة تسيير المرفق العام لا منعه من اداء الاعمال المطلوبة منه للمراجعين، ويجب ان يراعى بالتنظيم مصلحة العمل.النظرية العامة للمرفقفي السياق، يقول استاذ قانون العمل بكلية الحقوق بجامعة الكويت د. خليفة الحميدة ان النظرية العامة للمرفق العام تقضي بأن تقوم الادارة على تنظيم العمل بما يعمل على تسييره، وبما لا يضر مبدأ تسييره، وبالتالي فإن الادارة مسؤولة عن تعطيل المرفق اذا كان التنظيم لا يهدف الا للإضرار بمصالح المراجعين.وأوضح الحميدة ان القانون او اللائحة اذا نصت على استقبال جهة الإدارة حتى نهاية ساعة العمل الرسمي المراجعين فإن تلك الجهة تكون ملزمة، وإلا فإنها تكون بذلك خالفت القانون وقامت مسؤوليتها عن ذلك.اما نائب رئيس نقابة المحامين وسمي الوسمي، فأكد ان على الجهات الرسمية في الدولة الالتزام بساعات العمل الرسمية لتسهيل وتسيير مصالح الناس، موضحاً أن منع الاستقبال، ان كان دائما، فهو غير مبرر، ومن شأنه تكديس العمل وتأخير انجاز مصالح الناس وهي مسؤولية ملقاة على عاتق جهة الادارة.وأوضح الوسمي ان تنظيم العمل الرسمي يكون بتوفير العدد الكافي من الموظفين لا بتقليص ساعات العمل الرسمية، لافتاً إلى أن تقصير ساعات العمل هو اهدار لمبدأ تسيير المرفق العام، ويتعين على الجهات الرسمية، ايا كانت، احترامه لأن التأخير قد يرتب بالمراجع اضراراً كبيرة كالغرامات.وأضاف أنه إذا كانت القضية مرتبطة بنقص الموظفين، فديوان الخدمة المدنية يعيش كابوساً من طابور البطالة، ويمكن الاستفادة منهم في في تلك الجهات لتسهيل وتسريع استقبال وإنجاز المعاملات، أما فرض تقليص ساعات العمل تحت أي حجة ففيه إضرار بمصالح الآخرين، وإن لم تكن القضية بحاجة لزيادة عدد الموظفين، فذلك يعني أن هناك سوء ادارة في توزيع العمل خلال فترة الدوام الرسمي.