أحبب نفسك

أحبب نفسك، أعطها حقها من الاهتمام والرعاية، ابذل قصارى جهدك في سبيل جعلها واحة غنية بالماء والخضرة النديّة، من لا يحب نفسه لن يكون قادراً على حب شيء، محبتنا لأنفسنا هي البوابة التي من خلالها نحب الحياة والناس، وهي الشيفرة السرية لرؤيتنا للعالم الذي نعيشه وطريقة تعاطينا معه، وإن الصراط المستقيم لمحبتنا لأنفسنا هو حسن تربيتها.

من يحب نفسه حقاً، لا بد أن يجتهد في حسن تربيتها، فالتربية الحسنة لأنفسنا هي الدليل السليم، والمرشد الذي لن نتوه إذا اتبعناه، لابد لنا أن نحب أنفسنا للدرجة التي نخشى عليها أن تضل أو تُضل، أن تظلم أو تُظلم، والطريقة المثلى في اعتقادي لتربية أنفسنا تربية حسنة، هي في إبقاء مساحة فيها دائمة من الاحتياج لا تُملأ...!

ولست أعني بذلك الطمع، فالطمع هو الرغبة الدائمة في امتلاك المزيد مما تملك، أما الاحتياج فهو الرغبة في الحصول على ما لا تملك، الطمع هو الرغبة في امتلاك السحابة بدلاً من المطر، أما الاحتياج فهو الرغبة في الحصول على قطرة منه.  

الاحتياج هو الجياد التي تجر أنفسنا كعربة محملة بالشهوات وراءها، فإذا أحسنا سياسة الجياد، وصلنا بعربة شهواتنا إلى بر الأمان، وإذا لم نفعل فقد نقود تلك العربة إلى الهاوية،إلا أننا وفي كل الأحوال لا يمكن أن نستغني عن تلك الجياد، هل تتخيلون عربة قادرة على السير بلا جياد؟!

عندما لا تكون للنفس حاجات معلقة في شجرة الأمنيات، فإن النفس تذبل، وتفقد نداها، تصبح النفس أشبه بقمر باع عباءة نوره للظلام، وأصبح عارياً من الضياء.   

 لا نفرح كثيراً إذا ما شعرنا بأننا لا نحتاج شيئاً، بل الأولى أن يخيفنا ذلك، أولى بذلك أن يجعلنا نستشعر الرعب على أنفسنا ومنها، أخطأ من بالغ في تدليل نفسه بتلبية كل حاجاتها، وأخطأ من مات وليس في نفسه على الأقل شيء من حتى!

الذين اشبعوا كل احتياجاتهم في الحياة مهما كانت صغيرة أو كبيرة، ماتوا أحياء قبل أن يدفنوا، لا بد من أن نبقي دائماً على مساحة بيضاء في نفوسنا لم تُزرع بما تشتهيها من الثمر، هذه المساحة هي حصن أنفسنا من الموت وهي على قيد الحياة، وهي التي تقي أنفسنا شرورها وبغيها وطغيانها، مساحة الاحتياج هذه هي التي نمارس بها قدرتنا على تربية أنفسنا تربية حسنة، وهي الجياد التي نمسك بلجامها في أيدينا، فنتحكم من خلالها بمصير العربة التي خلفها.

 الاحتياج هو المربي الفاضل لنفوسنا النزقة، المتطلبة، السريعة العطب،

وهو مدرسة الأخلاق الحميدة للنفوس، وأهم ما تتعلّمه أنفسنا في مدرسة الاحتياج ليس كيفية الحصول على مرادها، وإنما كيفية العيش سعداء بدون ذلك.