الأديب مكاوي سعيد: أعيش صعلوكاً ولن أقبل بغير ذلك
أحد أشهر وجوه وسط البلد في القاهرة، عاشق هذه الأماكن المزدحمة، لا يكتب إلا بين ضجيج مقاهيها... إنه الأديب والروائي الكبير مكاوي سعيد الذي تحدث لـ«الجريدة» عقب فوزه بجائزة أحسن مجموعة قصصية عن «اللامرئيون»، في معرض القاهرة للكتاب في دورته الأخيرة، مؤكداً أن الكتابة عن المهمشين من أولوياته، لأنه كان واحداً منهم لفترة طويلة، ومشيراً إلى أن دور المثقف ينحصر في تحذير المجتمع من المخاطر المحدقة به من خلال إبداعه.
اختيارك الكتابة عن شريحة المهمشين، هل هو نتيجة لاختيارك الكتابة من منطقة السيرة الذاتية؟
الكتابة عن المهمشين إحدى أولويات كتابتي، فأنا كنت منهم، لفترة طويلة، وأعرفهم وعشت أحوالهم، وأرى أن من واجبي مؤازرتهم وتسليط الضوء إبداعياً عليهم، فالمتحققون نالوا كفايتهم من الشهرة والأضواء والنقود وراحة البال، على عكس المهمشين الذين لم يعد أحد يذكرهم.لماذا قدمت كتابة خارج التصنيف، مثل «أحوال العباد» رغم النجاح الذي حققته قصصك ورواياتك؟لأنني في كتاب «أحوال العباد» تحررت قليلاً من قيود اللغة والقوالب غير المرنة للقص والأقصوصة وفي البناء أيضاً، كذلك ضمنته بعض الآراء السياسية، ورأيـت أنه من الواجب عدم التخفي وراء تصنيف ما بغرض خداع القارئ، وقدمته من دون تصنيفات، فلاقى قبولاً كبيراً وهذا ما أسعدني، لأني لو كنت وضعته تحت خانة القصة القصيرة وهو أقرب إليها فعلاً، مهما نلت جوائز عليه أو على كتابي الآخر «مقتنيات وسط البلد»، كنت سأشعر بأنني شاركت في خداع بعض القراء الذين ربما يهتمون بالقصة أكثر من المقالات والحكايات.برأيك ما الطاقة التي منحتها «ثورة 25 يناير» للكتابة الإبداعية خصوصاً الرواية وأنت كتبت أخيراً «كراسة التحرير»؟لم تظهر آثار ثورة 25 يناير على الإبداع بعد، وأعتقد أن الأمر سيأخذ سنوات أكثر حتى نجد عملاً إبداعياً يليق بالثورة وتليق به، و«كراسة التحرير» كتاب معني بحكايات المهمشين الذين استشهدوا وجرحوا في أثناء الثورة وأغفلهم التاريخ الرسمي ووكالات التزييف الإعلامي، كذلك يرصد حتى دور الطيور والحيوانات والجماد في الثورة، ويقدم الطريف والغريب والساخر والمهمش منها، مهملاً التوثيق اليومي للأحداث لأن ثمة كتباً كثيرة رصدته بدقة سابقاً، ولا يحتاج الأمر إلى تكرار أو جعل الراوي محور أحداث الثورة التي لا تتحرك إلا من خلاله، على ما ذكر في بعض هذه الكتب للأسف.ألا تشعر مع كثيرين بأن عصراً من التضييق على الحريات بدأ يقترب أم أنك من المؤمنين بأن الثورة لن تعود إلى الوراء؟لن تعود الثورة قطعاً إلى الوراء، هذا ما أؤمن به. لكن لا يمنع ذلك من أن تعاود فلول الأنظمة التي أفاقت من غفلتها ولملمت جروحها الهجوم على أبناء الثورة ومحاولة تكبيلهم وتكميم أنفاسهم والتضييق عليهم من الجوانب كافة، لكن كما انفجرت الأحوال سابقاً جراء هذا الغباء السياسي، ستتداعى الأشياء كافة فوق رؤوسهم لو استمروا في غيهم وتطاولهم وإحساسهم بأنهم أمسكوا مرة أخرى بزمام الأمور، وأنا أحذرهم من الآن الثورة القادمة كاسحة وعفية وهوجاء، لن تبقي ولن تذر، فانتبهوا جيداً واهتموا بالإصلاحات السياسية والاقتصادية، فقد لا تتح لكم فرص النجاة أصلاً.ما دور المثقفين في الحفاظ على مكتسبات الثورة وعدم الرجوع إلى الوراء؟ ينحصر دور المثقف في التنبيه والتوجيه من خلال إبداعه. للأسف الشرائح التي نخاطبها وتحبنا وقد تستمع إلينا، قليلة جداً قياساً بالفنانين والمطربين وهؤلاء، أجارك الله، كثير منهم يقدم نماذج مشوهة ومستفزة للناس فيزيد من احتقانهم، أو يقدم نفاقاً ومدحاً مبتذلا فلا يصدقه أحد، أتمنى أن يدركوا حجم التحديات التي تواجهنا ويراعوا الله في هذا الشعب ويعدلوا من فنهم الرخيص، ويقدموا أعمالاً موضوعية تخاطب عقل الشعب، لأنهم ما زلوا يتعاملون حسب بيت الشعر الشهير: «إذا كان الغراب دليل قوم...».لديك اعتراضات على أداء وزارة الثقافة المصرية، ما أول قرار تتخذه إذا أصبحت وزيراً للثقافة؟لن أكون مطلقاً وزيراً أو مسؤولاً في أي جهة حكومية، رغماً عني وبإرادتي، أنا كائن حر أرتضي حياة الصعلكة ولن أقبل بغيرها بديلاً، وانتقادي لأداء وزارة الثقافة ومطالبتي بإلغائها من واقع رؤيتي بأنها تعيق الثقافة، بما تفرضه علينا من أدباء مستوظفين ترسلهم إلى أنحاء العالم ليعبروا عن المثقف المصري فتخرج صورتنا إلى العالم شديدة البؤس والضحالة.هل ترى أن العرب مقصرون في الترجمة من وإلى اللغات الأخرى؟الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية جيدة إلى حد ما، لا سيما في ما يخص أمهات اللغات كالإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية، تليها اليابانية والصينية والروسية والتركية، أما باقي اللغات فلا تزال الترجمات الصادرة عنها محدودة. إنما بخصوص ما يترجم من العربية إلى اللغات الأخرى، فهذا ليس مسؤولياتنا إنما مسؤولية الآخر، فبقدر اهتمامه بأحوالنا سيترجمنا، أو لو قدم أدبنا المعاصر طفرة كبيرة كالأعمال الصينية واليابانية والتركية، أخيراً، سيترجم إبداعنا المعاصر الجيد في أغلبه. لكن لو كنت تتحدث عن الترجمات التي تتولى دور حكومية الاهتمام بها لترجمة آدابنا إلى اللغات الأخرى، فيا ضيعة الأموال التي أنفقت عليها في ترجمات رديئة، كما يرونها في الغرب، وساعدت في صرف الناس عن أعمالنا، ولو كان الذي تولى القيام بها عدواً لما استطاع تشويهنا مثل ما حدث.هل تنوي العودة إلى بيتك الأصلي «الشعر» مرة أخرى؟لم يكن الشعر بيتي الأصلي، فقد كتبته خلال دراستي الجامعية ولم أقربه ثانية، لكني ما زلت أحبه إلى الآن وأتابعه وأتوق إلى قراءته كثيراً.كيف ترى ظاهرة الشللية التي يعيشها المثقفون المصريون وتؤثر مباشرة على توزيع الجوائز؟ظاهرة الشللية غالبة في الحياة الأدبية العربية بكاملها، ولا تقتصر علينا، وهي أحد ألدّ أعداء الأدب وتعوقه كثيراً، لأن هذه المجموعات تفرض ذائقتها على الناس وتتحكم بالجوائز وتقدم لنا نماذج سيئة للإبداع يقتفي أثرها المبدعون الشباب فنتردى أكثر. هل تعتبر نفسك محظوظاً نقدياً؟كنت مهمشاً لردح من الزمن وعندما لفتت أعمالي القراء انتبه النقاد إلي وتابعوني بمقالاتهم النقدية، فأنا الآن محظوظ نقدياً بفضل الموضع الذي وضعني فيه القراء الذين يحبونني وأبذل جهدي من أجلهم.