بدأت الأمور تتضح شيئاً فشيئاً على الساحة السياسية خصوصاً لمن كان يتوهم، بحسن نية، أن مجلس "الصوت الواحد" الذي فصّلته الحكومة على مقاسها هو مجلس يُعبّر عن الإرادة الشعبية كما جاء بالدستور ومذكرته التفسيرية بالرغم من أن الصورة كانت واضحة منذ البداية، فمجلس ضرورة "الصوت الواحد" ليس سوى مجلس شكلي الهدف من وجوده هو إضفاء مشروعية زائفة على سياسات فاشلة ومعادلة سياسية مختلة وغير متوازنة.

Ad

لم تكن معارضة انفراد الحكومة بتغيير النظام الانتخابي ترفاً فكرياً أو مناكفة سياسية أو معارضة من أجل المعارضة، بل كانت تعبيراً عن رفض الإخلال من طرف واحد بالمعادلة السياسية التي يقوم عليها نظامنا الدستوري الديمقراطي الذي كان من المفترض له أن يتطور باتجاه المزيد من توسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وإطلاق الحريات وحفظ الحقوق الدستورية للمواطنين وليس العكس.

على أي حال ها هي "الاتفاقية الأمنية الخليجية" تحسم الأمور وتنهي النقاش حول سبب وجود مجلس "الصوت الواحد" والدور المطلوب منه القيام به، حيث "لا صوت يعلو على صوت الحكومة"، كما قال وزير المالية الأسبق السيد مصطفى الشمالي، فما تريده الحكومة هو الذي سيُقر بالرغم من "معارضة" عدد قليل جداً من الأعضاء؛ وذلك لأن مجلس "الصوت الواحد" ليس سوى شكل ديكوري فقط مسموح لأعضائه بإطلاق التصريحات الصحافية و"انتقاد" الحكومة كما يشاؤون، بل لا بأس حتى من استجواب بعض الوزراء، ثم بعد ذلك مناشدة الحكومة القيام بواجباتها لأن المجلس سيعجز عن محاسبتها، والقرار بالأخير سيكون بيدها.

وأمام هذا المشهد السياسي البائس الذي وصلنا إليه نتيجة لانفراد الحكومة باتخاذ القرار وتهميش الإرادة الشعبية بالضد مما قرره الدستور، وهو الأمر الذي أدى إلى حالة تراجع تنموي مزرية، وانتشار للفساد بصوره المختلفة، وحالة تذمر شعبي غير مسبوقة، فضلاً عن المحاولات الحكومية المستمرة للتعدي على الحقوق الدستورية، وتقليص الهامش النسبي للحريات العامة، فإن مصداقية العناصر و"التيارات السياسية" التي تصرح باستمرار بأنها تدافع عن الدستور والحريات والحقوق الدستورية باتت على المحك، وهو ما يتطلب مراجعتها لمواقفها السابقة الداعمة لانفراد الحكومة بالقرار وإخلالها بالمعادلة السياسية، بحيث لا "صوت يعلو على صوتها"، على أن يترتب على هذه المراجعة اتخاذ خطوات عملية ملموسة للوقوف ضد التوجهات الحكومية المخالفة للدستور مثل التصديق على الاتفاقية الأمنية الخليجية، وإلا فإن الناس ستفهم التصريحات الصحافية التي يطلقها ممثلوها في مجلس "الصوت الواحد" وبعض قيادييها أو البيانات الصحافية حول موقفها الرافض بشدة للاتفاقية الأمنية الخليجية على أنها مجرد تغطية إعلامية على موقفها الحقيقي المؤيد والداعم بقوة لأي توجه حكومي، حتى لو كان مخالفاً للدستور.