لم يسبق لي أن شاهدت أو سمعت عن فيلم {سر أبي}، لكنني أكاد أجزم، بعد متابعة أحداثه، أنه يؤسس للميلودراما  {الفاقعة} بأكثر مما فعلت السينما الهندية؛ فالفيلم الذي أنتج في العام 1946، ويحمل اسم {سر أبي}، تضمن من التوابل، والمشهيات، والمصادفات الساذجة، ما ينوء عن تحمله أعتى جمهور أدمن الفرجة على الأفلام مذ اخترع الإخوة الفرنسيون {لوميير} أول آلة عرض سينمائي في العام 1895.

Ad

تحكي أحداث فيلم {سر أبي}، الذي أخرجه ولي الدين سامح عن قصة كتبها مصطفى سامي، وسيناريو صاغه مصطفى حسن وحوار نسجه بديع خيري، قصة الباشا {عادل} (سراج منير) الذي يُسَبح الجميع، في العزبة التي يملكها، بخيره وفضله، ومن ثم يتسابق الجميع لنيل شرف وداع نجله {فؤاد} (أنور وجدي) الذي قرر السفر إلى الخارج ليدرس العلوم البحرية، ويُحقق أمنيته في أن يُصبح ضابطاً بحرياً!

ينجح السيناريو في رسم ملامح {الباشا} الأقرب إلى الملاك؛ فهو الذي يُجزل العطاء على الفلاحين، ويُشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ويؤمن أن {الكبير ينبغي عليه أن يُساعد الصغير أما القوي فهو الذي يُعين الضعيف}، ولا يتردد في تعنيف {الخولي} المسؤول عن الفلاحات لأنه تركهن يغنين بينما تعيش العزبة حالة حداد عقب اغتيال ناظر الزراعة رمياً بالرصاص. وحتى هذه اللحظة، لا أدري ما السر وراء اختيار قتله بالرصاص؛ إذ كان بمقدور مَلَكُ الْمَوْتِ أن يقبض روحه في فراشه ما دام المطلوب هو القول بأن {الباشا} ابن الأصول انتهز فرصة زيارة {أمينة} (فتحية شريف) أرملة {الناظر} لمنزله، واعتدى عليها!

هنا ينقلب السيناريو على نفسه، كما انقلب {الباشا} على قيمه ومبادئه؛ فالحجة التي يسوقها الفيلم لتبرير سقطة الرجل {النبيل} بالقول إنه فقد توازنه بعد تعاطيه المشروب، لم تبرر تحوله فجأة إلى شيطان رجيم يُطالب الفلاحة بأن تنسب طفلها القادم لزوجها الميت، ويهددها بالطرد من جنته في حال الإساءة إلى سمعته، ويُصبح جليس رفقاء السوء، ويغضب كثيراً عندما يعود إلى منزله فيكتشف أنها وضعت حملها هناك؛ فالميلودراما تتوالى من مشهد إلى آخر، والمنطق يتراجع تدريجياً؛ فالفلاحة تضع طفلتها في الليلة نفسها التي تضع فيها {الدادة منيرة} (فردوس محمد) زوجة {عوض} (بشارة واكيم) كبير المستخدمين في دائرة {الباشا} وليدها، وفي اللحظة التي يعود فيها {الباشا} إلى ربه وصوابه، ويُبدي استعداداً للصفح عن {أمينة}، والاعتراف بطفلتها {نهاد} (صباح) تموت الفلاحة، وتكبر الطفلة في كنف {الباشا}، الذي يُكفر عن ذنبه برعايتها، ويعود الابن {فؤاد} ليقع في غرام {نهاد}، وتربطهما علاقة عاطفية قوية تثير حفيظة الأب، ويُسارع بإجهاض العلاقة بكل ما أوتي من قوة!

وقع طاقم فيلم {سر أبي} في مأزق درامي فادح عندما كشفوا سر الفتاة {نهاد}؛ فالأب يعلم أنها ابنته، كذلك الجمهور، ومن ثم سارت الأحداث تقليدية ورتيبة، تخلو من المفاجآت، وتفتقد إلى التشويق، ولأجل هذا، وفي محاولة يائسة لإضفاء بعض الإثارة، افتعل كاتب السيناريو حيلة درامية ساذجة عندما زعم أن {نهاد} ليست ابنة {الباشا}، بل هي ابنة {الدادة منيرة}، التي هددها زوجها {عوض} بالطلاق في حال أنجبت أنثى، بعد بناته الخمس، فما كان منها سوى أن استبدلتها بالطفل {محروس} الذي أنجبته {أمينة} قبل أن تموت، ما يعني أن {فؤاد} ليس شقيق {نهاد} ومن حقه أن يتزوجها كي تأتي {النهاية السعيدة}!

بالإضافة إلى {الميلودراما} الفجة، والمبالغات التي لا تنتهي، حفل فيلم {سر أبي} بأخطاء عدة؛ مثل ظهور ظل ذراع تسجيل الصوت في اللقطة، وتلعثم بعض الممثلين، فضلاً عن الأداء المسرحي للنجم أنور وجدي، وكثرة الأغنيات، التي لحنها رياض السنباطي، فريد غصن وحسن أبو زيد، وكتبها مأمون الشناوي، عبد العزيز سلام، عباس كامل ومصطفى السيد، ولم يكن لها أي مبرر سوى استثمار وجود المطربة صباح.غير أن هذا لا ينفي براعة المخرج في توصيل معنى اغتصاب الفلاحة من دون ابتذال؛ حيث يُصورها وهي تخرج من بيت {الباشا} ذليلة، منكسرة، تجر أذيال الخيبة، ومهارته في توظيف الحيلة المعملية لتصوير حيرة {الباشا} بين ضميره وشيطانه، وإن لجأ إلى {الكليشيه} التقليدي المعتاد في سينما تلك الفترة؛ حيث يعلو صوت الأذان لحظة ارتكاب الخطأ أو الجريمة فيتراجع المخطئ ويثوب المجرم الى رشده!  

المثير في الأمر أن {تترات} الفيلم تُشير إلى أن كمال الشيخ، الذي أصبح مخرجاً شهيراً في ما بعد، هو الذي تولى مسؤولية المونتاج مع أميرة فايد بينما وضع الموسيقى التصويرية عبد الحليم نويرة، بما يعني أن  الشركة المنتجة {نحاس فيلم} كانت سخية في إنتاج فيلم لا تغيب عنه السذاجة!