الشعب الكويتي الوفي لا يستحق الضرب وتعمد الإهانة والقوّة المفرطة والقنابل الدخانية والصوتية والرصاص المطاطي المحرم استخدامه دولياً، بل يستحق التقدير والاحترام وتحقيق مطالبه السياسية المُستحقة. لقد بينت أحداث الأيام القليلة الماضية أن هناك أطرافاً متنفذة في السلطة وحواليها تدفع بقوة من أجل تبني خيار القبضة البوليسية في التعامل مع مطالب الإصلاح السياسي والديمقراطي، وهو خيار كارثي بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، جربته بعض الدول المتخلفة من قبل وثبت فشله الذريع، حيث إن العنف لا ينتج عنه سوى الحقد والكراهية وزيادة الغضب الشعبي والعنف المضاد.

Ad

وبعيداً عما تبثه وسائل الإعلام المنحازة التي تُروّج للأكاذيب في محاولات بائسة ودؤوبة لشق الصف الوطني والنسيج الاجتماعي، وبعيداً أيضاً عما تُبرزه الصحف غير المهنية التي لا تنقل الأخبار والصور كاملة، بل تركز على بعض التصرفات الطائشة والمرفوضة فتساهم في تضليل الرأي العام، فإن ما حصل خلال الأيام الماضية، كما ينقله شهود عيان ونشطاء حقوقيون مستقلون، لم يكن تفريقاً عادياً لمظاهرات من خلال التدرج في استخدام القوة، بل كان استخداماً مفرطاً للقوة من دون مبرر، واعتداءً متعمداً على متظاهرين عزّل ومُسالمين رافقتهما حملة اعتقالات واتهامات مفبركة لشباب وطنيين مخلصين لا ذنب لهم سوى أنهم ينشدون الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد السياسي من أجل وطن أكثر عدالة وحرية ومساواة وعدالة اجتماعية.

القبضة البوليسية لن توقف المطالب الشعبية المستحقة، ولن تُرجح كفة من يتمنى العودة إلى ما قبل العهد الدستوري، فذاك زمن قضى وانتهى، حيث إننا الآن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، والجيل الحالي هو جيل الديمقراطية والمدنية والحريات والعدالة والفضاء المفتوح، وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة تغيير النهج الحالي المتبع في إدارة الدولة الذي لا يزال يعمل بالأساليب والطرق ذاتها المعمول بها في بداية ستينيات القرن الماضي.

لهذا فإن المخرج من الأزمة السياسية الخانقة يتطلب أن تتصالح السلطة مع الدستور، وتقدم مبادرات جريئة وحلولاً سياسية تبدأ بالاعتراف بفشل المحاولات الدؤوبة للتعدي على الدستور والتراجع عنها بشكل نهائي مثل محاولات تفصيل أجهزة صورية بدلاً من مجلس الأمة، ثم وقف الملاحقات السياسية وإصدار قانون للعفو العام غير المشروط عن النشطاء السياسيين، والإعلان عن خطوات عملية وسريعة مثل تشكيل لجنة محايدة ومستقلة لملاحقة المتورطين في عمليات الفساد، ونهب المال العام ومحاسبتهم، حتى لا يفقد الناس ثقتهم بالسلطات العامة.

بعبارات أخرى، القبضة البوليسية لا تحل المشاكل السياسية، فلا ينتج عنها سوى الدمار الاجتماعي والسياسي، والمطلوب الآن الاعتراف بالأخطاء وتقديم مبادرات سياسية جريئة توقف النزيف الاجتماعي والسياسي الذي، إن استمر أكثر، فسيدفع وطننا ثمنه غالياً.