الدكتورة كفاية عبدالملك هي واحدة من الكفاءات الطبية الكويتية المميزة، كانت على رأس قسم العناية المركزة في مستشفى الأميري، وكجزء أصيل من مهامها اليومية قررت في أحد الأيام عدم حاجة أحد المرضى إلى العناية المركزة وضرورة نقله إلى الجناح لاستكمال علاجه الطبي هناك، وإفساح المجال لغيره من المرضى المحتاجين للعناية المركزة.

Ad

ولعل من المهم هنا الإشارة إلى أن أقسام العناية المركزة في جميع مستشفيات الكويت تعاني ضغطاً متواصلاً، وفي أغلب الأحيان لا توجد أَسرّة شاغرة في كثير منها، مما يتطلب نقل الحالات الحرجة بين المستشفيات بحثاً عن سرير. ولهذا فإن ما قامت به الدكتورة كفاية، وهو الفعل الذي لم يأتِ من فراغ، إنما استناداً إلى تخصصها الفني الدقيق ورأيها المهني البحت، جاء في مصلحة الخدمة الصحية أولاً وأخيراً.

إلى هنا وكل شيء جميل ومثالي. المشكلة بدأت حين تصادف أن المريض الذي قررت الدكتورة انتهاء علاجه في العناية المركزة هو والد أحد نواب البرلمان، الأمر الذي لم يعجب الابن النائب بطبيعة الحال، فخاطب وزير الصحة، الذي هو بالمناسبة ليس بطبيب وغير متخصص في الشأن الصحي لا من قريب ولا من بعيد، إنما هو "وزير سياسي" فحسب، ويحمل حقيبة وزارة أخرى في ذات الوقت لعلها الأقرب إلى اهتمامه ومزاجه، وبدلاً من أن يتصدى معالي وزير الصحة لهذا التدخل "النيابي" الفج في الشأن الطبي المهني المتخصص، قام معاليه بإصدار "أوامره السياسية" بإبقاء المريض في العناية المركزة، الأمر الذي لم تستجب له الدكتورة لتعارضه الواضح مع الرأي والحاجة الطبية. وعلى إثر ذلك، وبلا إبطاء، أصدر معاليه "قراراً سياسياً" بنقل الدكتورة من مقر عملها إلى مستشفى الأمراض السارية عقاباً لها على عدم الاستجابة والانصياع لأوامره!

لا أظن أن الأمر بحاجة إلى مزيد من الشرح والتفصيل، فالمسألة واضحة كالشمس. شخص غير متخصص ولا مؤهل يمتلك سلطات سياسية يظنها مطلقة يتدخل في عمل كفاءة متخصصة ومؤهلة ليعرقلها عن تقديم الخدمة للجميع بعدالة ونزاهة، بل يقوم بمعاقبتها لتمسكها بالالتزام بمتطلبات جودة الخدمة، في حين كان يفترض فيه العكس تماما. بل يجيب بعدها بعناد على من انتقدوا تصرفه بأن "الدكتورة كفاءة فلتثبت كفاءتها في مكانها الجديد".

هذه الحادثة يا سادتي ليست الأولى بطبيعة الحال، فهي تحدث وبشكل متواصل في وزارات ومؤسسات الدولة المختلفة، وهي لذلك النموذج الأوضح على كيف تم ويتم تدمير البلد على مدى السنوات الماضية إلى هذه اللحظة، حيث تسيد "السياسي" على حساب "الفني المتخصص" ليعرقله ويفسد عمله، بل يدفعه إلى الابتعاد نأياً بنفسه عن الصراعات في كثير من الأحيان، ولو عدنا إلى أغلب مشاكل بلدنا المزمنة لوجدناها تدور في هذا المجال أو قريباً منه على الدوام.

الجسد الطبي في وزارة الصحة مطالب اليوم بالتصدي لهذا العبث المتواصل حماية لتخصصه ومجال عمله من تدخلات غير المتخصصين كائناً ما كان منصبهم، ومن لا يشارك في التصدي لهذا العبث فسيطاولون رأسه غداً وحينها لن ينفع الندم.