الهند وأزمة غذاء مزمنة
الأمر الأكثر إثارة للحزن أن ثلث الأطفال الذين يعانون سوء التغذية على مستوى العالم يعيشون في الهند، ووفقاً لمنظمة اليونيسيف (صندوق إغاثة الأطفال التابع للأمم المتحدة) فإن 47% من الأطفال الهنود يعانون نقص الوزن و46% من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ثلاثة أعوام أقل حجماً من متوسط سنهم، والواقع أن ما يقرب من نصف الوفيات بين الأطفال ترجع إلى سوء التغذية.
وفقاً للتقديرات الحالية فإن عدد سكان الهند من المنتظر أن يبلغ 1.45 مليار نسمة بحلول عام 2028، لكي يماثل نظيره في الصين تقريبا، ثم 1.7 مليار نسمة بحلول عام 2050، أي ما يعادل عدد سكان الصين والولايات المتحدة مجتمعتين اليوم، ولأن الهند تكافح بالفعل لإطعام سكانها، فإن الأزمة الغذائية التي تواجهها حالياً قد تتفاقم سوءاً بشكل كبير في العقود المقبلة.ووفقاً لمؤشر الجوع العالمي لعام 2013 فإن الهند تأتي في المرتبة الثالثة والستين من أصل الثمانية والسبعين بلداً الأكثر جوعاً على الإطلاق، وهي مرتبة أسوأ كثيراً من مرتبة سريلانكا (المرتبة الثالثة والأربعين)، ونيبال (التاسعة والأربعين)، وباكستان (السابعة والخمسين)، وبنغلاديش (الثامنة والخمسين)، ورغم تحسن الهند إلى حد كبير على مدى ربع القرن الماضي- حيث ارتفع تقييمها على مؤشر الجوع العالمي من 32.6 في عام 1990 إلى 21.3 في عام 2013- فإن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تعتقد أن 17% من الهنود ما زالوا يعانون نقص التغذية إلى الحد الذي يمنعهم من ممارسة حياة منتجة. والواقع أن ربع السكان الذين يعانون سوء التغذية على مستوى العالم يعيشون في الهند، أي أن عددهم في الهند يتجاوز مجموعهم في كل بلدان جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا.
والأمر الأكثر إثارة للحزن أن ثلث الأطفال الذين يعانون سوء التغذية على مستوى العالم يعيشون في الهند، ووفقاً لمنظمة اليونيسيف (صندوق إغاثة الأطفال التابع للأمم المتحدة) فإن 47% من الأطفال الهنود يعانون نقص الوزن و46% من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ثلاثة أعوام أقل حجماً من متوسط سنهم، والواقع أن ما يقرب من نصف الوفيات بين الأطفال ترجع إلى سوء التغذية، وهي الحال التي أطلق عليها رئيس الوزراء السابق مانموهان سينغ وصف "الخزي الوطني".ولكن ما السبب وراء انعدام الأمن الغذائي المزمن في الهند؟ كان الإنتاج الزراعي في السنوات الأخيرة يسجل أرقاماً غير مسبوقة، فقد ارتفع من 208 ملايين طن في 2005 و2006 إلى ما يقدر بنحو 263 مليون طن في 2013 و2014، وتحتاج الهند ما بين 225 إلى 230 مليون طن من المواد الغذائية سنويا؛ لذا، فمن الواضح أن كفاية الإنتاج الزراعي ليست المشكلة الرئيسية، حتى مع وضع النمو السكاني في الآونة الأخيرة في الحسبان.الواقع أن العامل الأكثر أهمية- وهو العامل الذي تجاهله صناع السياسات لفترة طويلة- هو أن نسبة مرتفعة من المواد الغذائية التي تنتجها الهند لا تصل إلى المستهلكين أبدا، وقد لاحظ شاراد باوار، وزير الزراعة الأسبق أن ما يعادل 8.3 مليارات دولار من المواد الغذائية، أو ما يقرب من 40% من إجمالي قيمة الإنتاج السنوي، يُهدَر.ولكن هذا لا يحيط بالصورة الكاملة: على سبيل المثال، تمثل اللحوم نحو 4% من هدر المواد الغذائية ولكنها تمثل في الوقت نفسه 20% من التكاليف، في حين يُهدَر 70% من إنتاج الفواكه والخضراوات، وهو ما يمثل 40% من إجمالي التكلفة، وقد تكون الهند الدولة صاحبة أكبر إنتاج للألبان على مستوى العالم، كما تزرع ثاني أكبر كمية من الفواكه والخضراوات (بعد الصين)، ولكنها أيضاً أكثر بلدان العالم إهداراً للمواد الغذائية، ونتيجة لهذا فإن أسعار الفواكه والخضراوات تبلغ ضعف ما يجب أن تكون عليه لولا ذلك، ويتكلف إنتاج الألبان أكثر بـ50% مما ينبغي له. ولا يقتصر الإهدار على المواد الغذائية القابلة للتلف فحسب، ذلك أن ما يقدر بنحو 21 مليون طن من القمح- ما يعادل محصول أستراليا السنوي بالكامل- يتعفن أو تأكله الحشرات، نظراً للتخزين الرديء وسوء الإدارة في مؤسسة الأغذية في الهند، والتي تديرها الحكومة، وكان تضخم أسعار الغذاء منذ 2008 و2009 أكثر من 10% على نحو مستمر (باستثناء 2010 و2011، عندما كان 6.2% فقط)؛ وكان الفقراء الذين تشكل تكاليف بقالتهم عادة 31% من ميزانية الأسرة هم الأكثر تضررا.هناك العديد من الأسباب وراء إهدار هذا الكم الضخم من المواد الغذائية القابلة للتلف، بما في ذلك غياب سلاسل توزيع المواد الغذائية الحديثة، ونقص مراكز التخزين البارد والشاحنات المبردة إلى حد كبير، ورداءة مرافق النقل، وعدم انتظام التيار الكهربائي، والافتقار إلى الحوافز للاستثمار في هذا القطاع، وطبقاً لتقديرات المعهد الهندي للإدارة في كولكاتا، فإن مرافق التخزين البارد المتاحة تكفي فقط لنحو 10% من المنتجات الغذائية القابلة للتلف، وهو ما يجعل نحو 370 مليون طن من المنتجات القابلة للتلف في خطر.أنشئت مؤسسة الأغذية في الهند عام 1964 بهدف تنفيذ أنظمة دعم الأسعار في المقام الأول، وتسهيل التوزيع على مستوى البلاد بالكامل، والحفاظ على مخزون احتياطي من السلع الغذائية الأساسية مثل القمح والأرز. ولكن سوء الإدارة، وضعف الرقابة، وتفشي الفساد تعني أن مؤسسة الأغذية في الهند، والتي تلتهم 1% من الناتج المحلي الإجمالي، تشكل الآن جزءاً من المشكلة، وقد أطلق عليها وزير الغذاء السابق كيه. في. توماس وصف "الفيل الأبيض" الذي يحتاج إلى التجديد "من القمة إلى القاع"، ولكن الحكومة حاولت بدلاً من ذلك إنهاء النقص عن طريق زيادة الإنتاج، من دون أن تضع في الحسبان أن نصف المواد الغذائية سوف يهدر.لن تجد الهند المساحات الكافية من الأراضي، ولا مرافق الري أو الطاقة اللازمة لتوفير القدر الكافي من الطعام المغذي لنحو 1.7 مليار مواطن هندي في المستقبل إذا ظلت تهدر نحو 35% إلى 40% من الإنتاج الغذائي وتتركه ليتعفن، لذا، يتعين على حكومة مودي الجديدة أن تفكر في طرق بديلة لحل أزمة الغذاء في الهند.أسيت ك. بيسواس & سيسيليا تورتاغادا* بيسواس أستاذ زائر لدى كلية لي كوان يو للسياسة العامة في سنغافورة، والمؤسس المشارك لمركز العالم الثالث لإدارة المياه، وتورتاغادا المؤسِسة المشاركة ورئيسة مركز العالم الثالث لإدارة المياه.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»