صدق عبداللطيف الدعيج
النموذج الحالي للدولة سيسبب كارثة في المستقبل القريب في ظل استمرار شره الاستهلاك والإنفاق بدون أي إنتاج يذكر، فمن السهل الاختباء وراء فساد الحكومة ولومها على كل ما يجري دون تحمل أي مسؤولية، وأما الذي يطالبها بإصلاح نفسها قبل أن يتحمل هو المسؤولية، فأبشره بأن ذلك لن يحصل.
بينما البلد يسير من سيئ إلى أسوأ، ما زالت الأغلبية الساحقة من الناس غارقة في البحث عن حلول سياسية لوضع البلد المتردي، وآخر تلك المحاولات هو مشروع كتلة المقاطعة للإصلاح السياسي الذي يقترح تعديلا دستوريا على أكثر من 30 مادة! فقد أثبتت التجارب أن جذور الحل ليست سياسية بل اقتصادية اجتماعية، وأكبر دليل على ذلك تجربة تعديل الدوائر.فعندما نزل العديد من أصحاب النيات المخلصة إلى الشارع في 2006 في حملة (نبيها خمس) كان الظن بأن تعديل الدوائر إلى خمس مع أربعة أصوات سيصلح مجلس الأمة وسيقضي على شراء الأصوات، وسيتجه الناس إلى اختيار القوائم السياسية المبنية على البرامج، وكل ذلك سيجبر الحكومة على إصلاح نفسها. لكن ما حصل هو العكس تماما، فازداد تأصل العمل الفردي بعدما فشلت تجربة القوائم السياسية فشلا ذريعا، وازدادت حدة الاستقطاب القبلي والطائفي بعدما بات مرشحو كل فئة في غنى عن دعم الفئات الأخرى في أغلب الأحيان، على عكس الدوائر الـ25 عندما كانت الأقليات في كل دائرة تلعب دوراً حاسما في النتائج. نعم قل تأثير شراء الأصوات بالمال في تلك التجربة لكن تم استبداله بما هو أخطر وهو شراء الأصوات بالتطرف وبثقافة الدجل والصراخ، وهذا أخطر من المال لأنه يمزق المجتمع ويهدم أساساته، وبذلك ظلت مخرجات الانتخابات سيئة مع اختلاف نوعية السوء فقط، مما يدل على أن أي تغيير في توزيع الدوائر أو الأصوات لن يغير التغيير المرجو في نوعية المخرجات.لقد قلنا مراراً إن أي حديث عن إصلاح جذري في وضع البلد لن يكون جديا دون الحديث صراحة عن إصلاح اقتصادي اجتماعي في بنية الدولة لأن حياة الترف والبطالة المقنعة التي يعيشها المواطنون في الدولة الريعية هي التي أفسدت المجتمع وجعلت السلطة تتحكم في حاجاته، وبالتالي التحكم في مخرجاته الانتخابية، ولعل أستاذنا الكاتب الكبير عبداللطيف الدعيج تناول هذا الموضوع بالتفصيل في سلسلة مقالات مؤخراً، وبين كيف أن تناول الإصلاح من الناحية السياسية فقط هو حديث تنقصه الشجاعة، فلم تخرج لنا أي من التيارات السياسية حتى الآن لتبين لنا كيف ستحارب الفساد في ظل تضخم القطاع العام وانتشار البطالة المقنعة؟ وكيف ستعدل التركيبة السكانية مع استمرار ضخ المواطنين في القطاع العام بينما يسيطر الوافدون على القطاع الخاص؟ وكيف ستحقق العدالة والمساواة وكثير منها غارقة في شبهات تعيين الأقارب في المناصب متجاوزين بذلك من هم أكثر كفاءة؟لقد حان وقت أن يقوم المجتمع والتيارات السياسية والجيل الجديد بمصارحة أنفسهم، فالنموذج الحالي للدولة سيسبب كارثة في المستقبل القريب في ظل استمرار شره الاستهلاك والإنفاق بدون أي إنتاج يذكر، فمن السهل الاختباء وراء فساد الحكومة ولومها على كل ما يجري دون تحمل أي مسؤولية، وأما الذي يطالبها بإصلاح نفسها قبل أن يتحمل هو المسؤولية، فأبشره بأن ذلك لن يحصل لأن من يخدر الناس بإبر النفط حتى يتفرغ هو للنهب والفساد لن يتطوع لوقف تخديرهم حتى لا ينكشف أمامهم. باختصار، حان وقت أخذ زمام المبادرة وتحمل المجتمع لمسؤولياته وإزالة إبر التخدير، فالكويت تحتاج عرقا مثلما يقول "بوراكان".