تُعتبر 2014 سنة الحصان في الصين، ولكن بالنسبة إلى سائر شعوب العالم، قد تصبح سنة الصين، إذ يواجه هذا البلد نقطة تحول تاريخية: فإما أن يجدد نظامه الاقتصادي ويعالج عدداً من مشاكله البيئية والاجتماعية المتنامية ويستعد لعقد جديد من النمو والاستقرار يضمن تحوله إلى الاقتصاد الأكبر في العالم، وإما أن تكون 2014 السنة التي تصطدم فيها المعجزة الصينية بعقبات خطيرة يكون لها تداعيات مهولة.
يُطلق الناس توقعات مماثلة بشأن الصين منذ سنوات أو حتى عقود، إلا أن الأسوأ لم يقع بعد. صحيح أن بكين واجهت تحديات ضخمة (إنشاء اقتصاد سوق من الصفر، وبناء بنية تحتية من الطراز العالمي، ونقل مئات الملايين من الفلاحين إلى عالم الحضارة والمدن)، إلا أنها نجحت في تعديل سياساتها مع مرور الزمن وتواصل النمو بوتيرة غير مسبوقة.لكن الوضع اليوم مختلف، فقد بنت الصين حالات عدة من عدم التوازن الاقتصادي خلال السنوات الأخيرة، ولا يمكن الحفاظ عليها طويلاً، تكمن المشكلة في أن النمو الاقتصادي الصيني قام طوال عقد تقريباً على الائتمان البخس وإنفاق الحكومة، علماً أن هذه مشكلة تقليدية في الكثير من الدول النامية. حتى قبل الأزمة المالية عام 2008، أقر كبار المسؤولين في بكين بأن الاقتصاد كان "غير مستقر، وغير متوازن، وغير منسق، وغير مستدام"، وفق ما ذكره رئيس الوزراء الصيني السابق وين جياباو. وعلى الحكومة أن توقف تدفق المال السهل إلى البنية التحتية، والشركات التابعة للدولة، وقطاع الإسكان. لكن تطبيق هذا القرار صعب، بما أن النمو يعتمد على المال السهل. علاوة على ذلك، يتمتع مَن يحصلون على المال بنفوذ سياسي، خصوصاً الشركات التابعة للدولة وزعماء الحزب المحليين.عندما حلت الأزمة المالية والتراجع الاقتصادي العالمي، ما كان خيار التباطؤ متاحاً أمام بكين: لا تنبع شرعية الحزب الشيوعي من عقيدته، بل من كفاءته؛ لذلك اتبعت الصين الرد الكينزي الأكبر في العالم تجاه هذه الأزمة، منفقة أكثر من 10% من ناتجها المحلي الإجمالي للحفاظ على تقدم الاقتصاد، وقد أفلح هذا الحل، فقد فاق معدل نمو الاقتصاد الصيني التسعة في المئة خلال السنوات القليلة الماضية. لكن الثمن كان باهظاً، ففي مقال لروشير شارما من "مورغان ستانلي" في صحيفة "وول ستريت جورنال"، نلاحظ أن إجمالي الدين العام والخاص في الصين تخطى 200% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا معدل غير مسبوق بالنسبة إلى بلد نامٍ، فقد راكمت الشركات والحكومات المحلية الدين، وعزز الاقتراض طفرة في مجال العقارات، ومن دون تغييرات سياسية جدية تقطع الائتمان البخس عن قطاعات كبيرة من الاقتصاد في المستقبل القريب، ستنفجر هذه الفقاعة وسيخفق هذا النموذج.بالإضافة إلى ذلك، تواجه بكين تحديات خطيرة أخرى، فيعاني الشعب الصيني في المناطق المختلفة حول البلد تلوثاً كبيراً في الهواء والماء. وقد بدؤوا يرفعون الصوت منددين بذلك، كذلك يشعرون باستياء كبير نتيجة مشكلة أخرى واسعة الانتشار: الفساد. يبقى الفساد الصيني مقنّعاً بسبب سيطرة الدولة المحكمة على وسائل الإعلام. إلا أن الحزب الشيوعي يدرك جيداً هذه المشكلة، وتعهد بإصلاح نظام الترقيات وضبط الحزب بغية الحد من فساد المسؤولين والتركيز أكثر على الضرر البيئي، لا النمو فحسب.لا شك أن هذه التغييرات ستصطدم بمقاومة سياسية ورد فعل سلبي داخل الحزب الشيوعي وفي بعض قطاعات المجتمع الواسعة النفوذ. أطلق الرئيس تشي جينبينغ حملة مناهضة للفساد، مع أن كثيرين في الصين يعتقدون أن تطبيقها لم يشمل الجميع، كذلك سعى الرئيس إلى ترسيخ سلطة الحزب بتضييق الخناق حول النقاد في وسائل الإعلام والجامعات أو حتى رجال الأعمال في القطاع الخاص. كذلك أسس تشي مجلساً أمنياً وطنياً يركز في المقام الأول على الأمن الداخلي. ولا يشكل هذا المجلس إشارة إلى أولويات تشي فحسب، بل أيضاً إلى المواضع التي يرى فيها التحديات الكبرى.لن أراهن ضد الصين في الوقت الحالي، فقد برهنت قيادتها على تمتعها بقدرة عالية على اتخاذ قرارات صعبة والقيام بخطوات ذكية، وكسب تشي سلطة واسعة جداً، ومن الواضح أنه ينوي استعمالها لدخول التاريخ بصفته الرجل الذي أصلح نظام الصين ليجعلها بلداً أقوى وأوسع نفوذاً.إذا نجح القادة الصينيون في إدارة العملية الانتقالية هذه، فستصبح الصين أقوى وأكثر استقراراً، وتتحول إلى الاقتصاد الأكبر حول العالم، أما إذا أخفقوا، فستواجه الصين على الأرجح تراجعاً يشبه إلى حد كبير ما اصطدمت به دول نامية بازعة أخرى (مثل تايوان وكوريا الجنوبية) أنهت مرحلة من النمو السريع واكتفت بمسار تقدم طبيعي. وفي الكثير من هذه الحالات، تزامن النمو البطيء مع انتشار التظاهرات وانفتاح النظام السياسي.لا شك أن الحفاظ على نموذج النمو الصيني سيكون بالغ الصعوبة، لكن تحقيق ذلك مع كل ما يرتبط به من تحديات سياسية سيشكل امتحاناً كبيراً حتى لقادة الصين المميزين.Fareed Zakaria
مقالات
2014 سنة حاسمة بالنسبة إلى الصين
07-01-2014