الثمن الذي تدفعه الأمة

Ad

توقف القلم في يدي وأنا أستكمل الحديث الذي بدأته الأحد الماضي تحت هذا العنوان

"أمة تولد من جديد" ومحوره الاستفتاء على دستور 2014، عندما تلقيت أنباء التفجيرات التي وقعت صباح الجمعة، أمس الأول، والتي أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس مسؤوليتها عنها، فذرفت الدمع على الدماء التي سالت على أرض مصر الطيبة، على أرواح بريئة ذهبت إلى بارئها، شهداء من الجيش والشرطة والمدنيين يتساقطون كل يوم الواحد تلو الآخر، والآلة الإرهابية للجماعة تحصد في كل يوم هذه الأرواح بلا مبالاة، فالقتل وسفك الدماء هو الورقة الأخيرة التي تلعب بها الجماعة لإثبات وجودها على الساحة السياسية، ولقد أنصفت الجماعة الحقيقة من نفسها بهذه الأعمال التي تؤكد أنها جماعة إرهابية وأنه لا وطن لها ولا انتماء لديها لا إلى وطن ولا شعب ولا للإنسانية جمعاء لكنه الثمن الذي تدفعه أمة تولد من جديد.

إرادة الإصرار وإصرار الإرادة

ذلك أنه مع ازدياد أعمال العنف والإرهاب الذي تمارسه الجماعة تزداد إرادة الإصرار، وإصرار الإرادة لدى الشعب المصري على رفض هذه الأعمال، وعلى التمسك بخارطة الطريق التي ارتضاها الشعب بالتصويت على دستور 2014 بنعم بنسبة 98.1% من مجموع الأصوات الصحيحة التي شاركت في هذا الاستفتاء، والتي بلغت نسبتها 38% من مجموع المقيدين في جداول الانتخاب، بالرغم من أعمال العنف والإرهاب التي تمارسها الجماعة والتي توعدت بها الشعب في مقار اللجان، فخرجت الملايين تقول نعم للوحدة الوطنية، نعم لمدنية الدولة، نعم للاستقرار، نعم لإسلام صحيح بريء من إزهاق الأرواح ورفض الآخر، والانعزال عن ركب الحضارة الإنسانية.

وقد شاهد العالم كله، كيف هرع المئات من أفراد الشعب المصري الذين خرجوا من بيوتهم في هذا الحي الشعبي، الذي وقع فيه انفجار مديرية الأمن بباب الخلق، في تظاهرة عفوية تردد هتافات مدوية "لا إله إلا الله، الإخوان عدو الله".

تكفير المجتمع

وقد أعلنت جماعة "أنصار بيت المقدس"، مسؤوليتها عن تفجير مديرية أمن القاهرة، وقال بيان للجماعة نشر على حسابها على "تويتر" للتواصل: "تم بحمد الله استهداف مديرية أمن القاهرة، اللهم تقبل أخانا في عليين"، وكانت جماعة أنصار بيت المقدس قد أعلنت المسؤولية أيضا عن تفجير مديرية أمن الدقهلية الشهر الماضي، الذي أسفر عن مقتل 14 شخصا، وإصابة أكثر من 100 شخص.

وقالت الجماعة في بيان على صفحتها على موقع "فيسبوك" إن "إخوانكم في جماعة أنصار بيت المقدس تمكنوا من اختراق كل الدفاعات والتحصينات الأمنية والكمائن التي ينصبها الكلاب المرتدون العاملون بوزارة الداخلية".

وأضافت أن "الشهيد (بإذن الله) أنس بن عمرو بن الظافر المصري، من رجال محافظة أسيوط، وهب نفسه وروحه للإسلام ولنصرة دين الله".

كلمة حق يراد بها باطل

إن الزهو والخيلاء اللذين اتسم بهما بيان هذه الجماعة، وما اتهمت به الجماعة العاملين بوزارة الداخلية من ارتدادهم عن الإسلام، وأنهم يستحقون القتل، واعتراف الجماعة بمقتل الانتحاري الذي وصفته بالشهيد كل ذلك يخالف شرع الله، لأن الحياة هبة من الله عز وجل، وإن حق الحياة وديعة لدى الإنسان، وقد نهى المولى عز وجل عن قتل النفس بغير حق في قوله تعالى "... مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا".

ولقد توعد القرآن الكريم من يقتل نفسا مؤمنه بأشد العقاب، في قوله تعالى "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابا عَظِيما"

والعمليات الانتحارية محرمة شرعا، في قول المولى عز وجل "وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيما".

ولا يجوز قتل المحارب إذا أظهر الإسلام مهما كان أمره، عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أنه قال: قلت "يا رسولَ اللَّهِ ! أرأيتَ إن لقيتُ رجلا منَ الكفَّارِ. فقاتَلَني. فضربَ إحدى يديَّ بالسَّيفِ فقطعها. ثمَّ لاذَ منِّي بشجرةٍ، فقالَ: أسلمتُ للَّهِ. أفأقتلُهُ يا رسولَ اللَّهِ! بعدَ أن قالَها؟ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لا تقتُلْه، قالَ فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ! إنَّهُ قد قطعَ يدي. ثمَّ قالَ ذلكَ بعدَ أن قطَعها. أفأقتلُهُ؟ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: لا تقتُلْهُ. فإن قتلتَهُ فإنَّهُ بمنزلتِكَ قبلَ أن تقتلَهُ وإنَّكَ بمنزلتِهِ قبلَ أن يقولَ كلمتَهُ الَّتي قال". رواه مسلم.

وقتل المؤمن ليس بالأمر الهين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق".

وفي خطبة عرفة التي تعتبر أول إعلان عالمي لحقوق الإنسان، يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس... إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا".

للحديث بقية إن كان في العمر بقية.