حذّرت روسيا الحكومة الأوكرانية أخيراً من أنها سوف تواجه عواقب اقتصادية "خطيرة" بما في ذلك قيود جديدة محتملة على التجارة بعد أن وقع الرئيس الأوكراني اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، ومن المؤكد أن مثل هذه الخطوة الانتقامية سوف تلحق الضرر بأوكرانيا التي ترسل نحو ربع صادراتها إلى روسيا، ولكن إقامة حواجز تجارية جديدة تبرز فقط العقلية التي تؤكد أسس إدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاقتصاد الروسي، والخطر المتزايد الذي تمثله على سلامة اقتصاد بلاده.

Ad

في تقرير لافت صدر أخيراً وصف صحافيو بلومبرغ نيوز في العاصمة الروسية موسكو نظاماً اقتصادياً يدار بصورة متزايدة من الكرملين، ومعزولا عن الأسواق العالمية ويتطلع بقوة إلى تمويل، ومن بين النقاط الرئيسية في ذلك التقرير ما يلي:

- تشكل المشاريع التي تسيطر الدولة عليها أكثر من نصف الاقتصاد الوطني، بارتفاع عن نسبة الـ30 في المئة عن الفترة التي وصل فيها بوتين إلى الحكم في سنة 1999.

- يقوم البنك المركزي الروسي بضخ كميات غير مسبوقة من المال في النظام المصرفي المضطرب الذي يخضع إلى حد كبير لسيطرة الدولة بعد إخراج المنافسين الأجانب من البلاد.

- تلقى البنك المركزي الروسي الآن أوامر بتسريع عمليات التمويل في الأجل الطويل لصناعات معينة.

العلاقات مع الغرب

ومع تردي علاقات روسيا مع الغرب يبدو أن الرهاب الاقتصادي قد بدأ يتجذر، وفي الأسابيع الأخيرة دعا فلاديمير بوتين إلى فرض قيود على استيراد التقنية المتقدمة، وذلك في جهد يرمي إلى تحفيز عمليات تطوير التقنية المحلية، كما أقام نظام دفع تديره الدولة من أجل منافسة بطاقات "فيزا" و"ماستر كارد"، إضافة إلى قانون سيدخل حيز التنفيذ في الأول من شهر أغسطس المقبل يطالب الشركات الأجنبية التي تقوم بتشغيل خدمات رسائل وشبكات تواصل اجتماعي في روسيا بتخزين معلومات المستخدمين ورسائلهم في داخل البلاد، وقد تلحق هذه الخطوات في نهاية المطاف أضراراً بروسيا بقدر يفوق ما تلحقة من أضرار بشركائها التجاريين.

 ويقول ألكسي كدرين وهو عضو في مجلس بوتين الاقتصادي، والذي شغل منصب وزير الاقتصاد في روسيا في الفترة بين سنة 2000 و2011 في مقابلة مع بلومبرغ نيوز "هذه الإجراءات التي يقترحها الرئيس ستحد بالتأكيد من المنافسة وتجمد عملية التحديث، وستفضي إلى زيادة في تنظيم السوق والحماية".

هروب رأس المال

ومن المتوقع هروب نحو 90 مليار دولار من رأس المال من روسيا في هذه السنة، كما أن تكلفة الاقتراض العالية أغلقت إلى حد كبير أبواب أسواق الدين الخارجية في وجه الشركات الروسية منذ ضم شبه جزيرة القرم. ومن شأن ذلك أن يدفع الشركات الروسية إلى السعي الحثيث للعثور على مصادر تمويل أخرى، وقد جمعت شركة النفط المملوكة للدولة "روزنفت" ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار عن طريق جعل شركة بريتش بتروليوم "بي بي" تدفع مسبقاً ثمن الوقود الذي يتوقع أن تحصل عليه خلال السنوات الخمس المقبلة.

ولكن معظم الشركات الروسية لا تتربع على ما قيمته مليارات الدولارات من النفط، وبدلاً من ذلك تحولت تلك الشركات إلى مصادر إقراض محلية مثل بنك "سبيربنك" و"في تي بنك"، وهما يخضعان لسيطرة الدولة، إضافة إلى أن تمويل البنك المركزي الروسي للمقرضين التجاريين بلغ أكثر من الضعف في السنة الماضية ليصل إلى 142 مليار دولار في شهر أبريل، وفي خطوة أفضت إلى زيادة الضغط على البنك المركزي الروسي أمر الرئيس بوتين ذلك البنك بوضع آلية تمويل جديدة للصناعة الروسية.

عجز الأصول

وقد أبلغ الرئيس التنفيذي لسبيربنك هيرمان غريف بلومبرغ نيوز بأن "النظام المصرفي يقترب من مواجهة عجز في الأصول التي يمكن أن تستخدم على شكل ضمانة من أجل الحصول على أموال من البنك المركزي الروسي، في حين يزداد بشكل متزايد الطلب على إعادة التمويل".

لمَ لا يطلق المزيد من قادة الشركات التجارية جرس الإنذار؟ يعتبر الخوف من إجراء انتقامي من الكرملين بالتأكيد أحد العوامل، ويتمثل العامل الآخر بنسبة الموافقة على أداء فلاديمير بوتين التي تبلغ 86 في المئة، والتي تعززت في الأجل القصير على الأقل، من خلال الاصطفاف الشعبي وراء زعيم محاصر.

ولكن الوقت ينفد بسرعة، ويقول ألكسي فيديف رئيس مركز معهد غيدار للبحث الهيكلي في العاصمة موسكو "التوتر الجيوسياسي سيئ، ولكن المشكلة المتعلقة بالتمويل أكثر من جدية، ولا يمكن لهذا الوضع أن يستمر إلى الأبد".

* كارول ماتلاك | Carol Matlack