تتكاثر الأسئلة وتتلاحق عن الدور العربي في الأزمة الطاحنة التي ترتبت على حرب غزة الجديدة، وعن المجازر التي ارتكبها الإسرائيليون ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والحقيقة أنه من المفترض أن الدور العربي الذي يجري التساؤل عنه يتمثل في المبادرة المصرية التي تم اعتراضها مبكراً بالمبادرة الأخرى المعروفة التي كان هدفها ولايزال شطب الدور المصري وشطب منظمة التحرير والسلطة الوطنية ومحمود عباس (أبومازن).

Ad

كان القصْد من المبادرة "الأُخرى" هو تحويل حرب غزة بنتائجها ضد مصر وضد النظام الجديد في مصر، وأيضاً ضد منظمة التحرير والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) والمعروف أن القتال بالنسبة لهذه الحرب قد فاجأ الفلسطينيين، والمقصود هنا هو السلطة الوطنية ومنظمة التحرير، كما فاجأ العرب جميعهم المعنيين وغير المعنيين، اللهم باستثناء الذين تبنوا المبادرة الأخرى التي ثبت منذ اللحظات الأولى أنه تم طرحها لقطع الطريق على المبادرة المصرية التي من حسن الحظ أن موازين القوى قد جاءت لمصلحتها وإنْ في اللحظات الأخيرة.

وهنا، فإن ما يجب أن يُقال هو أن تشتيت الموقف الفلسطيني والعربي والدولي أيضاً بين المبادرتين، المصرية والمبادرة الأُخرى، حيث وافقت إسرائيل من قبيل المناورة على المبادرة الأولى، في حين أن "حماس" رفضتها وتمسكت بالمبادرة الثانية، قد ترتب عليه استشهاد أكثر من ألف وأربعمائة فلسطيني وجرح أكثر من أربعة أضعاف هذا العدد، كما ترتب عليه أن هذا الرفض "العربي" أظهر الفلسطينيين عالمياً على أنهم مع إراقة الدماء، وأنهم ضد التهدئة وحلِّ هذا المأزق بالوسائل الدبلوماسية والسياسية.

ولهذا، وعندما يُستبعد العرب، وفي مقدمتهم مصر والمملكة العربية السعودية والأردن، حتى عن معرفة أي شيء عن هذه الحرب قبل اندلاعها، ثم وعندما يعلن ناطق "حماس" في غزة أنه لا يحق لا لمنظمة التحرير ولا للسلطة الوطنية الحديث بأي شيء عمَّا يجري لا بالنسبة لوقف إطلاق النار ولا بالنسبة للمبادرات المطروحة، فإنه تحصيل حاصل أن يقتصر الدور العربي على دعم المبادرة المصرية التي أيدتها الجامعة العربية وأيدتها الأمم المتحدة، في حين شاغبت عليها الولايات المتحدة ومعها بعض الدول الأوروبية لحساب المبادرة الأخرى :"الإخوانية"!

إنه مسألة طبيعية ألا يكون للعرب أي دور عسكري في حربٍ لم يُستشاروا فيها، ولم يعرفوا عنها شيئاً قبل اندلاعها، وبالطبع فإنه لابد من التأكيد على أنَّ هذا يجب ألا يعني إطلاقاً عدم تقديم الدعم... كل الدعم الإنساني والسياسي للشعب الفلسطيني الذي ذبح ويذبح في غزة، فهذا الشعب الذي فُرضت عليه هذه الحرب فرضاً هو شعب شقيق للعرب كلهم في كل أقطارهم ودولهم، ولهذا فإنه واجب على كل عربي أن يقف معه في هذه الفترة التاريخية الحاسمة.

إن المطلوب الآن من العرب ومن الفلسطينيين، منظمة التحرير والسلطة الوطنية، هو تحويل نتائج هذه الحرب، التي غير صحيح - على الإطلاق - أنَّ الانتصار فيها عسكرياً قد جاء لمصلحة "حماس"، إلى إنجازات سياسية، وأول خطوة نحو هذه الإنجازات هي وحدة الموقف الفلسطيني، وهي إنجاح المبادرة المصرية، وهي أنْ يكون هناك ضغط عربي وإسلامي ودولي جدي على أميركا، وبالتالي على إسرائيل لحملهما على الإذعان لحقائق التاريخ وللقرارات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة فعلاً على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.