بعد مئة عام على ولادته يبقى ألبير كامو شخصية أساسية في الأدب العالمي عموماً والفرنسي خصوصاً، فمن أحياء العاصمة الجزائرية الفقيرة إلى جائزة {نوبل الآداب} في سن الرابعة والأربعين فقط، كان مساره خارجاً عن المألوف، إلا أنه توقف فجأة في سن السادسة والأربعين بسبب حادث سير في وسط فرنسا في الرابع من يناير 1960. وزخرت حياته بكثير من المواقف المثيرة للجدل سواء في الثقافة أو في السياسة.

Ad

 استهل كامو دخوله أوساط كبار المؤلفين بهذه الجملة الشهيرة في مطلع كتابه {اليوم توفيت الدتي. أو ربما في الأمس لا أعرف}، وكان يومها في سن التاسعة والعشرين. عند قيام الثورة الجزائريّة، كان لكامو موقف الخاصة: {أنا مع العدالة دائماً، ولكن بين العدالة وأمي (أي فرنسا)، أختار أمّي}، وهذا ما جعل الناقد الفلسطيني أدوارد سعيد يقول إن {جوهر عمل كامو الدفاع على الإمبريالية الفرنسية}، لكنّه كان دائماً يرفض القمع الفرنسي بقدر رفضه عنف الثورة.

باع كامو حوالى ثمانية ملايين نسخة من {الغريب}، روايته الأولى التي نشرت عام 1942 وترجمت إلى أربعين لغة. وقد صدرت في ترجمات جديدة بالعربية منها ترجمة أنجزها عصام عبد ربه عن سلسلة {أفاق عالمية}، وترجمة محمد آيت حنا عن {منشورات الجمل}، وأعادت دار {الآداب} اللبنانية تسليط الضوء على ترجماتها لأعمال كامو (من بينها {الغريب}) التي صدرت في سنوات سابقة، اذ كان صاحب الدار الراحل سهيل إدريس يعطي أهمية للفلسفة الوجودية، خصوصاً سارتر وكامو.

تبدو أهمية {الغريب} استثنائية، حتى إن الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش قرأها وفهم شخصياتها بطريقة مثيرة للسخرية والنقد، ومن خلال تقديم كامو للطبعة الأميركية لهذا الرواية ندرك أهميته، فهو كتب للطبعة الأميركية الأولى التي نشرت في نيويورك عام 1955 قبل عامين من منحه جائزة {نوبل الآداب}: {لقد لخصت منذ فترة طويلة رواية الغريب بجملة بسيطة أعترف الآن بأنها كانت تحمل الكثير من المتناقضات قلت حينها إن أي إنسان حسب أعراف مجتمعنا يغيب عن حضور مراسم دفن أمه يحكم عليه بالإعدام اجتماعياً... رغبت في أن أقول فقط بأن بطل الرواية قد حكم عليه بالإعدام ليس لأنه قتل عربياً بدم بارد بل لأنه لم يتقن لعبة المجتمع... وفي هذا المفهوم أصبح غريباً عن المجتمع الذي يعيش بين جنباته، يتسكع على هامشه وفي حواشي الحياة الخاصة به، وحيداً شهوانياً... ولهذا السبب فقد مال بعض النقاد الى نعته بالضال}.

الموت السعيد

أعمال كامو الأخرى لا تقل أهمية عن {الغريب}. في رواية {الموت السعيد} يتناول البحث عن السعادة، ولو كان ثمن ذلك ارتكاب جريمة. إنّها تجربة شابّ يعاني مصاعب كثيرة على صعيد الفقر والمرض والحبّ والرحلات، ويعيش حالات صراع نفسيّة ليس هناك أبرع من كامو في تصويرها. وكان يعتبر أنّ الضحك هو الحلّ الأمثل كي لا نصرخ من الألم.

وفي روايته {الطاعون} يكشف هذا المرض حقيقة الذهنيّات وأطباع الناس وجوهر العلاقات. تجد بطلة الرواية مديمة وهران نفسها فجأة تحت رحمة الطاعون، وتعلن غلق أبوابها وتحجز الجموع في الداخل. ويظهر كامو حقيقة الإنسان المحارب داخل كلّ منّا: {لن تزول الآلام، وسيظلّ شبح الموت مهيمناً، وستبقى الفئران تحمل الطاعون إلى المدن السعيدة، غير أنّ الناس سيظلّون يناضلون معاً ويعرفون فرح الانتصارات، ولو كانت نسبيّة...}.

وفي سياق الاحتفال بذكرى كامو، أصدر مشروع {كلمة} للترجمة مؤلفاً جديداً بعنوان {مفكرة كامو}، في ثلاثة أجزاء منفصلة تحمل العناوين التالية: {لعبة الأوراق والنور، ذهب أزرق، عشب الأيام}، وقد نقلتها إلى العربية الروائية نجوى بركات ونشرتها دار {الآداب}.

تضم المفكرة {الدفاتر} التسعة التي كتبها كامو منذ عام 1935 وحتّى وفاته، والتي قُسّمت بالتساوي بين الأجزاء الثلاثة، بحيث يحتوي كلّ منها على ثلاثة من الدفاتر. ونشر كامو بنشر معظمها وراجعه بالاتفاق مع ناشره الفرنسي غاليمار.

يتضمّن الجزء الأوّل {لعبة الأوراق والنور} الملاحظات كافّة التي دوّنها ألبير كامو ما بين عامي 1935 و1942، في حين يغطي الجزء الثاني {ذهب أزرق} الفترة الممتدة ما بين يناير 1942 ومارس 1951. أما الجزء الثالث والأخير {عشب الأيام}، فينتهي في ديسمبر 1959 ويتألّف من الدفاتر التي دوّنها ألبير كامو بدءاً من مارس 1951 وحتى وفاته. وقد تمّت طباعة الدفتر السابع من مارس 1951 إلى يوليو 1954، خلال حياة الكاتب الذي راجعه وصححه.

تعتبر 2013 هي سنة الاحتفال به، فقد نشرت دار {غاليمار} ثلاثة مجلدات من الرسائل غير المنشورة بين كامو وثلاثة مثقفين: الأوّل هو الشاعر فرنسيس بونغ (1899 - 1988). يخاطب كامو في إحدى الرسائل صديقه بونغ: {ثمة صداقات تدوم، وأخرى لا. تلك التي تدوم هي الجيدة ببساطة. وفي نهاية الأمر، لم ألتقِ بعد بالشخص الذي أستطيع الاعتماد عليه في هذا العالم حيث الكثير من الأمور متوهّمة}، والثاني هو الكاتب والروائي روجيه مارتان دي غارد (1881 - 1958) الحائز جائزة {نوبل الآداب} (1937). وإذ حصل كامو بعد 20 عاماً عليها، أسرّ له روجيه ببعض النصائح الثمينة في يخصّ احتفال نوبل: {كما ترى، فإني أجهد في التفكير بكل شيء، نتدبَّر الأمر بأربع بدلات لا أقل: واحدة للسفر ويمكن ارتداؤها يومياً، وثانية صالحة للمدينة (بدلة كاملة وذات لون داكن، كلاسيكية من أجل حفلات الاستقبال الصغيرة)، وثالثة سموكينغ، ورابعة بســترة طويـلة UN FRAC، من أجل الأمسيات والاحتفالات الرسمية}. أما الثالث فهو الكاتب لويس غييو (1899 - 1980)، أو الآخر، الندّ لأندريه بروتون، الذي تكشف مراسلاته مع كامو وجهاً آخراً لصاحب {الغريب}، الذي تبدو نبرته هنا رقيقة وحميمية، ففي رسالته الأخيرة للويس غييو، قبل وفاته بأقلّ من شهرين كتب: {أنت تتحدث عن العدالة وعن تحرير العمال، مثلما يتحدث من فَقَدَ الإيمان عن مملكة السماء. لكنك محقّ، يجب علينا أن نتحدث عن المملكة}.