أما بعد: أنصت بعينيك
حتى يكون القائد قائداً، فلا بد أن تتوافر له صفات ومؤهلات عديدة ذكرت في كثير من المواضع والمواطن، منها ما هو فطري ومنها ما هو مكتسب، وفي رأيي المتواضع من أهم هذه الصفات وأبرزها القدرة على التواصل.ومفهوم التواصل بشكل عام محوري في تعريف أي منظمة، فالمنظمة في أبسط تعريفاتها ما هي إلاّ عبارة عن مجموعة من البشر متصلين ببعضهم بعضا، ومتصلين بعملهم، وأخيراً متصلين بهدف واحد أو غاية واحدة.
والتواصل يعني أنه لابد للقائد أن يتصل مع أتباعه، ولا بد له أن يتواصل معهم في كثير من الأمور، بل لا بد له أن يتواصل معهم في كل الأحوال، والتواصل هنا لا أعني به مجرد الحديث وجهاً لوجه فقط، بل قد يكون عن طريق الهاتف أو الرسائل، وقد يكون عن طريق الفاكسات، أو عن طريق البريد الإلكتروني، أو في الاجتماعات المفتوحة أو المغلقة، وقد يكون حديثاً فردياً أو جماعياً. وحتى يكون القائد على تواصل جيد مع أتباعه فعليه أن ينصت أولاً، فالإنصات يسبق الكلام، والمحاور الجيد هو المنصت الممتاز، وقد ذكرت الإنصات ولم أذكر الاستماع، فالإنصات هو السكوت للاستماع والإصغاء والمراعاة، أي أنك تسمع بعينيك، متابعاً من يكلمك بكل تركيز واهتمام وتفاعل، ويراه هو بوضوح لا لبس فيه، أمّا الاستماع فهو عملية سلبية لا تؤدي الغرض في عملية التواصل.وعندما يتكلم القائد فهو ينتهز كل فرصة لكي يعبر عما في خاطره وعما يجول في نفسه وعما يعتريه من أفكار، ويجعل من نفسه شخصية ذات حضور تتفاعل مع من حولها، ولا شك أنه بحكم خبرته وتجربته لا بد أن يضيف شيئاً جديداً لكل من يتعامل معه، فمن المحتم أن القائد سينصح، ويشاور، ويوجه، ويستشير، ويقرر، ويمزح أو يغضب أحيانا، وهو خلال ذلك كله يبحث عن كل قنوات الاتصال الممكنة داخل حدود العمل وخارجه للتواصل بصورة فاعلة.قد يقول بعضهم إن في هذا التواصل ما يحط من قيمة القائد، وأنا أرى أنه على العكس من ذلك تماماً، إذ متى ما فهم الأتباع القائد ومتى ما تحاوروا معه (وفن المحاورة هنا مهم)، آمنوا معه بقضيته وأعانوه على تحقيق أهدافه، لكن على القائد أن يكيف الرسالة التي يوصلها للناس حسب معرفتهم واطلاعهم وقدراتهم، وكذلك على حسب الوضع والأهمية، فهو بالتأكيد لا يريد أن يكذب الله ورسوله!وللحديث عن لغة الصمت ولغة الجسد للقائد مقالة أخرى، حتى ذلك الحين فلنتواصل. [email protected]