لأن مصر استقبلت أمس رئيساً جديداً هو المشير عبدالفتاح السيسي فإن الأمانة تقتضي التحلي بالشجاعة والقول إن محمد أنور السادات كان الأهم من بين الذين سبقوا هذا الرئيس الجديد، فهو عندما اتخذ خطوة السلام مع الإسرائيليين قد تحلَّى بجرأة رجل الدولة الذي عندما يقتنع بأمر وبأن هذا الأمر في مصلحة بلده ومصلحة شعبه وأمته لا يتوانى عن الإقدام عليه، وهو يعرف سلفاً أنه قد يدفع حياته ثمناً لما قام به... وحقيقة فإن هذا الرجل قد دفع حياته ثمناً لانتصار أكتوبر، والمؤكد أن الأيام ستكشف أن الإسرائيليين كانوا وراء من أطلق الرصاص على صدره خلال العرض العسكري الذي أقامته القوات المسلحة المصرية لتخليد انتصارها العظيم الذي ترتب عليه تحرير قناة السويس واستعادة حتى آخر ذرة تراب من سيناء.
كانت حرب أكتوبر معجزة عسكرية بالفعل، في ظل موازين قوى ذلك الوقت، حيث ما لبثت، بعد "العبور" والتقدم في اتجاه قلب سيناء، أن تحولت إلى حرب الولايات المتحدة، وحيث تحول القتال إلى مواجهة إرادات، وحقيقةً فإن أي منصف يعيد قراءة التاريخ لابد أن يعترف بأن كل ما قيل عن السادات وفيه من قبل "المزايدين" وتجار الكلام كان من قبيل التجني والغيرة، وهنا يجب بالضرورة التذكير بأنَّ الملك فيصل بن عبدالعزيز، رحمه الله، كان بطل "العبور" الاقتصادي، عندما بادر في اللحظة الحاسمة إلى اتخاذ ذلك القرار الشجاع والعظيم بقطع الإمدادات النفطية عن الغرب وعن الولايات المتحدة الأميركية رغم كل ما واجهه من تحذير وتهديدات من واشنطن ومن العديد من العواصم الغربية.لقد كان السادات شجاعاً، بل متهوراً في شجاعته، ثم في الوقت ذاته كان "نظيفاً" ولم يسجل لا عليه ولا على المحيطين به ولا على أيٍّ من أفراد عائلته التورط في أي نوع من أنواع الفساد، ولعل ما يمكن أن يؤخذ عليه هو إخراج الإخوان المسلمين من السجون وإلغاء كل ممارسات وقرارات الرئيس جمال عبدالناصر ضدهم... وبالتالي التحالف معهم ضد كل القوى اليسارية والقومية، وهو لا يعرف أنهم أصحاب "تقية" سياسية، وأنهم كانوا يخططون لقتله حتى في ذروة احتضانه لهم.أمس أصبح المشير عبدالفتاح السيسي، رسمياً، رئيس مصر الثامن، بعد محمد نجيب وجمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك ومحمد حسين طنطاوي ومحمد مرسي وعدلي منصور، وهو خلافاً لبعض الذين سبقوه، وبخاصة جمال عبدالناصر، لم يبدأ مشواره الرئاسي بالتحالف مع "الإخوان المسلمين" ثم الانقلاب عليهم بعدما انقلبوا عليه، بل إنه تحلى مبكراً ببصيرة ثاقبة عندما تيقن أنَّ هؤلاء لا إلَّ لهم ولا ذمة، وأنهم بعد "اختلاس" ثورة يناير، كما اعترف حليفهم السابق جون كيري، بدأوا بتصفيات منهجية لأصحاب هذه الثورة الحقيقيين وثبت أنهم تنظيم شمولي استبدادي لا يمكن الاطمئنان إليه ولا الوثوق به، وأنهم كانوا يخططون لـ"أخذ الجمل بما حمل" وإقصاء كل الآخرين وإبعادهم عن مواقع الحكم والمسؤولية.ويقيناً فإنه لو لم يستجب عبدالفتاح السيسي ولو لم تستجب القوات المسلحة لرغبة الشعب المصري العارمة والصادقة التي تبدَّت في ما اعتبر الثورة الثانية في يونيو 2013 لكانت مصر الآن غير مصر الحالية، ولكانت الدماء سالت وارتفعت حتى الرُّكب ولكانت أرض الكنانة دخلت في حقبة ظلامية لا يعرف سوى العلي القدير، جلَّ شأنه، متى ستتغير ومتى ستنتهي... وهذا ما يؤكد أن اندفاعة المصريين في المعركة الانتخابية الأخيرة نحو هذا الرجل كانت واعية وكانت صادقة.لا صحة إطلاقاً لكل الأكاذيب التي تحدثت عن أن عشرة في المئة من المصريين فقط شاركت في انتخاب رئيس مصر الجديد، ويقيناً فإن من شهد أيام الانتخابات الثلاثة لابد أنْ يتأكد من حقيقة أن الإخوان المسلمين فقدوا مبرر وجودهم فعلاً، وأنهم لم يخسروا الحاضر فقط، بل المستقبل أيضاً... وهذا يتطلب ألا يتخلى العرب... العرب عن هذا البلد العظيم وألاَّ يتركوا عبدالفتاح السيسي يواجه أعباء هذه المرحلة الخطيرة والصعبة وحده، فمصر هي أم الدنيا، وهي عنوان الكرامة العربية، وصمودها هو صمود لهذه الأمة، وكبوتها، لا سمح الله، كبوة للوطن العربي كله.
أخر كلام
السيسي بانتظاره تحديات خطيرة
09-06-2014