انتفض المجتمع الدولي وتحركت مواقع القرار العالمي، والسيد بان كي مون ومجلس الأمن الدولي وواشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي فور المحاولة الانقلابية في جنوب السودان، التي رافقها تمرد بين فصائل عسكرية وقتال بينها، وقرر مجلس الأمن على الفور دعم قوة حفظ السلام الدولية بالمال والرجال لحماية الكيان الذي صنعوه في السودان، رغم أن القتال لم يستهدف مدنيين أو إبادة عرقية، أما في سورية وفي مدينة حلب، التي تتلقى القصف الجوي والبراميل المتفجرة صباحَ مساءَ منذ أسابيع وعشرات القتلى من الأطفال والنساء، فالأمر مختلف وحالة السبات الدولي واللامبالاة حيالها مستمرة.

Ad

نعم لربما يمكن وصف ما يحدث في سورية أنه حرب أهلية - رغم عدم اتفاقي مع هذا التوصيف - لكن منذ متى سمح المجتمع الدولي في العقود الثلاثة الماضية على الأقل  لطرف أن يستخدم في حرب أهلية سلاح الطيران والبراميل المتفجرة؟! لا يمكننا أن نتذكر حالة واحدة مماثلة دون أن يتدخل العالم، لكن في سورية فلدى نظام بشار الأسد من المجتمع الدولي وتحديداً من واشنطن ولندن ضوء أخضر بأن يفعل في سورية ما يشاء مع حلفائه في طهران وبيروت وبغداد حتى تنضج الطبخة ويتم تشريح الشام أو استسلامها لمشروع الهيمنة الإيرانية التي تمهد لتفاهمات نهائية بين طهران وتل أبيب عبر واشنطن لاقتسام الشرق العربي.

***

منذ سنوات وأنا أحذر في مقالاتي من أن سياسة إيران في لبنان والعراق وسورية ستؤدي إلى مواجهات طائفية من غرب العراق حتى الجنوب اللبناني، وكنت أدعو تحديداً شيعة لبنان، تلك الطائفة العربية المتميزة في تاريخ لبنان الثقافي والوطني، إلى أن تراجع المشروع الذي ورطتها فيه طغمة من أبنائها قبل أن تستفحل الأمور، وكذلك كنا نتمنى أن يفعل نفس الشيء الحكام من شيعة العراق، لكن يبدو أن كل الأقليات في العالم العربي وتحديداً الشرق العربي قد استدرجت إلى مشاريع خارجية خطيرة سواء الشيعة أو الأكراد أو العلويين أو حتى الدروز الذين يلعبون على جميع الأحبال دون مواقف واضحة.

وحدث ما كنا نحذر منه ووقعت الواقعة والحرب الطائفية بدأت في الأنبار والفلوجة وسورية وطرابلس الشرق وحارة حريك وصيدا ولن تخمد لسنوات طويلة مقبلة، وما حديث إيران عن قدرتها على قطع أيادي الإرهابيين في لبنان إلا إعلان رسمي عن دخولها الحرب الطائفية المنخرطة فيها فعليا منذ سنوات، وإلحاق لبنان بالانتداب الإيراني مع سورية والعراق، وهنا تكون المنطقة كلها قد دخلت النفق المظلم، وستدفع تلك الأقليات التي تبنت تلك المشاريع الخارجية الثمن غالياً ولو بعد عقود من الزمن إن لم تجبر من يجرها إلى الهاوية على العودة عن قراراته الكارثية، وترفع عباءته عنها لأن الإيراني سيذهب إلى إيران والأميركي والأوروبي إلى أوطانهم، وكذلك  الإسرائيلي سيواجه محنته ولو بعد حين في كيانه المصطنع، أما الشيعي والكردي والعلوي والدرزي فسيظلون يعيشون بين أقرانهم من العرب السنّة والمسيحيين في المنطقة!