تجاوزت السلطتان التشريعية والتنفيذية، "مؤقتاً"، أزمة بحث الاتفاقية الأمنية الخليجية بترحيلها إلى دور الانعقاد المقبل، إلا أن مؤشرات المواقف السياسية والنيابية، وأيضا الآراء الدستورية، تشير إلى أن طريق الاتفاقية سيكون وعراً، مما يضع الحكومة في خيارات محدودة جداً في التعامل معها.

Ad

وفيما يمكن اعتباره من شواذ القاعدة السياسية بالكويت، في الآونة الأخيرة على الأقل، تطابُق مواقف القوى السياسية بمختلف أطيافها، من الليبرالية إلى الدينية بشقيها السني والشيعي، ومن فريقي المعارضة والموالاة، برفض الاتفاقية الأمنية لتعارضها مع الدستور الكويتي.

هذا الإجماع السياسي أغلق ثغرة كانت تدخل عبرها الحكومة في السابق لتسويق مشاريع قوانينها أو توجهاتها، فالرهان مجدداً على انقسام التيارات السياسية ما بين "أزرق موالٍ" و"برتقالي معارض"، كما حدث في حقوق المرأة السياسية، وفي تعديل قانون الانتخابات عامي 2007 و2012، وكذلك في مقاطعة الانتخابات النيابية 2012 و2013، لم يعد رهاناً رابحاً للحكومة أو وسيلة تمكنها من تمرير قوانينها.

أما تشدد القوى السياسية في رفض هذه الاتفاقية فترجمته التيارات المشاركة في مجلس الأمة إلى عمل برلماني، إذ حمل ممثلوها في المجلس لواء المعارضة النيابية للاتفاقية، ونجحوا في خلق أغلبية معارضة لها داخل البرلمان، إلا أن تلك "الأغلبية" تحمل مخاوف من "الأقلية" التي لم تحسم موقفها بعد.

يقول النائب عدنان عبدالصمد، وهو ممثل للتحالف الإسلامي الوطني إن "هناك أغلبية نيابية لن تسمح بتمرير الاتفاقية، ولكن مشكلتنا في الـ16 صوتاً التي تمتلكها الحكومة التي يمكن أن تقرها بالتعاون مع الأقلية".

وتحتاج الحكومة إلى 17 نائباً مؤيداً للاتفاقية حتى تتمكن من تمريرها، إلا أن عدد مَن أعلن رسمياً تأييده لها لم يتعد ثمانية نواب. ولا يستبعد أن تتبدل مواقف "الأقلية" إلى جانب المعارضة النيابية إذا ما انتهت هيئة الخبراء الدستوريين لمجلس الأمة في تقريرها إلى تعارض تلك الاتفاقية مع الدستور.

غير أن أغلبية الخبراء الدستوريين في الكويت اختصروا طريقاً طويلاً في بحث دستورية "الأمنية"، بجزمهم أن الاتفاقية تتعارض مع التشريعات الكويتية وعلى رأسها الدستور، ولعل الأهم في مواقف هؤلاء الخبراء هو قراءة مواقف أعضاء الهيئة الدستورية التي شكلها مكتب مجلس الأمة، مما يعطي مؤشراً مبكراً لما سينتهي إليها تقرير هذه الهيئة.

فهناك على الأقل 3 أعضاء في الهيئة (د. محمد الفيلي، ود. محمد المقاطع، ود. خليفة الحميدة) من أصل 5 أعضاء أبدوا آراء علنية بعدم دستورية الاتفاقية، وهو ما يضعف مواقف "الأقلية" النيابية بتأييدها أو مَن يريد أن يتخذ من عدم تعارضها مع الدستور حجةً له.

الحكومة، بدورها، تدرك أن معركة الاتفاقية الأمنية مختلفة تماماً عن "الصوت الواحد" أو عن مواجهة حملات "المقاطعة والمشاركة في الانتخابات"، وخاصة بعد تغيير مراكز القوى السياسية والنيابية، ولذا فهي غير مستعجلة أصلاً في إقرارها، بحسب ما أعلنه رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم عندما قال: "اكتشفنا أن الحكومة ليست هي من طلب الاستعجال في مناقشة الاتفاقية"، وبحسب التسريبات الصحافية لأكثر من مصدر وزاري كذلك.

ولكن هل تريد السلطة في الكويت تمرير الاتفاقية فعلاً؟ يقول مراقبون إن الحكومة كان لديها أفضل بيئة سياسية لتمرير تلك الاتفاقية في المجلس المبطل الثاني في ظل المقاطعة السياسية للمجلس، والإشارات "الإيجابية" التي أطلقها حينئذ رئيسه النائب علي الراشد الذي كان يمتلك أغلبية نيابية، إلا أنها لم ترمِ بثقلها لإقرارها.

ويضيف المراقبون أن الحكومة لم تحرك أداة مرسوم الضرورة لإقرار "الأمنية الخليجية" سواء في انتخابات "المبطل الثاني" أو المجلس الحالي كما فعلت في كثير من التعديلات على قوانين لا تزيد أهمية على تلك الاتفاقية بالنسبة لها، وهو ما يمكن اعتباره مؤشراً آخر لعدم رغبتها في فرض الاتفاقية دون مناقشتها نيابياً، ومحاولة الوصول إلى اتفاق بشأنها.

ويرى كثير من المراقبين، بعد أن اتضحت المواقف السياسية وأُعلنت المواقف النيابية، أن التركيز على الجوانب الفنية في مناقشة الاتفاقية هو الطريق السليم للحسم.

قد تكون "الأمنية" ذهبت مع الريح وإلى أجل غير مسمى، حالها حال كثير من مشاريع القوانين التي ظلت حبيسة أدراج مجلس الأمة منذ عقود، إلا أن هناك من يرى إمكانية تحويلها إلى وسيلة يمكن من خلالها تحريك الشارع نحو إسقاط الحكومة وحل المجلس عبر استعجال مناقشتها، وهو ما سيكشفه القادم من الأيام من توجهات لمن يريد إسقاطها إيماناً بمعارضتها للدستور أو لخدمة أجندة إسقاط السلطتين.