طوروس سيرانوسيان اسمٌ طبع عالم الفن والاستعراض بخيوط ذهبية لا تزال تلمَع في ذاكرة اللبنانيين والعرب، فهو منذ بداية مسيرته، نذر نفسه لخدمة لبنان والسياحة فيه حتى غدا لقبه «امبراطور ليالي لبنان». وقد أقدم الأديب الياس حداد على إعداد قصة حياته بكفاحها ونجاحها في كتاب أنيق: «طوروس سيرانوسيان، مذكراتٌ في ذكريات».

Ad

لا يخطر اسم طوروس سيرانوسيان على بال الشيوخ والمخضرمين إلا وتتبادر إلى الأذهان صور الماضي الجميل، ذلك الماضي الذي حفلت أُمسياته بحضور أهم الفنانين غناءً واستعراضاً في العالم .

 في ذلك الوقت كان لبنان زهرة صغيرة تعطِّر الأجواء برحيقها وعبقها، فقصده السياح من مختلف الأرجاء، طمعاً في التمتّع بطبيعته وبما يقدّمه من خدمات وسبل ترفيه. وما كان من طوروس إلاّ أنِ اغتنم تلك الفرصة ليبدأ مع الفن مسيرة طالت إلى ما يزيد عن 53 عاماً في عالم الغناء والاستعراض.

امبراطور السهر في كتاب

تعدى طموح طوروس سيرانوسيان حدود لبنان منطلقاً إلى الدول العربية، ومن ثم إلى أوروبا وإلى العالم بكامله، فعقد اتفاقات بالمئات، وأقام حفلات ومهرجانات، وحصد النجاحات، كما أُصيب بالخيبات، لكنّ إيمانه بلبنان وثقته بنفسه، لم يتزعزعا يوماً، وظلّ على ثباته مقاوماً الظروف الصعبة بكل صلابة وحكمة ومحبّة، ما جعله قدوة للعاملين في حقل السياحة والفنون، ومنارة لكل من يريد تعاطي هذه المهنة التي تنقل الفرح والبهجة إلى قلوب الناس، على الرغم من أثمانها الفادحة .

في خضم هذا الكفاح، لا يمكن غض النظر عن محطات رئيسة، وَسَمَتْ حياة َطوروس بنجاحٍ باهر، ارتدّ على وطنه، وعلى مسار الفن، وحياة الفنانين في لبنان، فهو أول من فكَّر بإقامة مهرجانات وحفلات في إطار الأماكن الأثرية غير بعلبك، وخصوصاً في مدينة جبيل العريقة. وهو أول من وضع لبنان على خارطة الفن الاستعراضي، واستقدامه أهم الفرق العالمية. وهو أول من أسّس {بيت الفنان اللبناني} بهدف تنظيم الحياة الفنية لأكثر الفنانين اللبنانين.

إن هذا الطموح الذي لا يحدّ، أكسب طوروس خبرة جليلة التقطها الأديب الياس حداد بقلمه الرهيف ليجعل منها {مذكرات في ذكريات} يقرأها معاصروه فيتذكرون أُمسياتهم المعطّرة بعبق الياسمين. ويطالعها جيلنا الراهن ليتعرّف إلى زمن الفن الأصيل، زمن الأصوات الرخيمة وخشبات المسارح المتلألئة بالأجساد الممشوقة والأضواء الساطعة.

كلمات وأوسمة

تستهل الكتاب كلمات ولفتات وأوسمة، من رؤساء جمهورية، ووزراء ، ورجال دين كبار عَرفوا طوروس حقَّ معرفة، ولمسوا ما لديه من أياد بيضٍ ووطنية صادقة وإخلاصٍ ندر مثيله، فالرئيس العماد ميشال سليمان، يستقبل ابن بلدته عمشيت، السيد طوروس سيرانوسيان وعائلته في القصر الجمهوري، والرئيس العماد إميل لحّود يقلده وسام الاستحقاق اللبناني من رتبة فارس، والرئيس أمين الجميِّل يصوغ كلمة افتتاح «بيت الفنان اللبناني» في أنطلياس بحضور أكثر من ألفَي شخص، من رسميين وفنانين وإعلاميين في مهرجان شعبي مَهيب، والرئيس سليمان فرنجية، يستقبله في قصره الريفي في إهدن برفقة مغنية فرنسا الأولى «ميراي ماتيو»، إلى ما هنالك من الوجوه الرسمية والدينية والفنية التي تشيد بمزاياه وتعدّد إنجازاته الجمّة، فطوروس كما قال فيه وديع الصافي: «إنه رفع اسم لبنان عالياً فنيّاً وثقافيّاً وسياحيّاً في العالم». أمَّا الشحرورة صباح فهي تفخر بهذا الرجل الناجح الذي ينافسها على لقب «الأسطورة».

مع النجوم العالميين

 في أول لقاء لهما قال له المغنّي الفرنسي شارل أزنافور: «أنت أرمني ولا تتكلّم الأرمنية؟ هذا عار عليك، وأنا لن أتعاقد معك إطلاقاً». هذا هو الموقف المبدئي لازنافور الذي يذوب شوقاً وعشقاً وحنيناً لوطنه الأُم صاحب الجرح المفتوح. ويروي طوروس حادثة طريفة جرت عندما عادت جورجينا رزق إلى لبنان بعد احتلالها عرش جمال الكون، فقد أُجري لها استقبال حاشد في المطار شارك فيه حوالى خمسة آلاف شخص ومئة صحافي لبناني وأجنبي رافقها معظمهم إلى فندق البستان، حيث كانت ادارته قد كرمتها بإقامة لمدّة أسبوع كامل. وبما أن شارل أزنافور كان نزيل الفندق إياه فقد طلب الصحافيون من طوروس التنسيق بينه وبين جورجينا لأخذ صورة تذكارية تجمعهما، ففعل، وفي الموعد المقرّر، نزل أزنافور إلى الصالون فتحلّق الصحافيون حوله ينتظرون جورجينا التي مضت عشرون دقيقة ولم تحضر، عندها غضب أزنافور وقال بصوت مرتفع: «الآنسة جورجينا هي ملكة جمال الكون لسنة واحدة، أما أنا فسوف أبقى شارل أزنافور مدى الحياة، وعليها أن تنتظرني هي». وانسحب إلى جناحه.

وبعد مرور نصف ساعة على الموعد، وصلت جورجينا وسألت عن أزنافور ببراءة، فحثّ الصحافيون طوروس على استرضائه لالتقاط الصورة ففعل وحظي بصعوبة على موافقة أزنافور.

ولميراي ماتيو في قلب طوروس مكان مرموق، فهي من أعز الفنانات الغربيات لديه، ويذكر أنها حين أتت لإقامة أربع حفلات في قلعة جبيل الأثرية، كان رئيس الجمهورية اللبنانية سليمان فرنجية دعاها لقضاء يوم كامل في إهدن مع عائلته التي قدمت لها بعض الهدايا الرمزية. وبعدما عادت ميراي إلى باريس، أرسلت إلى لبنان موفدين خاصّين يحملان هدايا تذكارية لكل من استقبلها وأكرم وفادتها.

وتطول الحكايات مع الفنانين الآخرين ومن بينهم ديميس روسوس وداليدا وانريكو ماسياس وجوزيفين بايكر وراي تشارلز وجوني هوليداي وجورج موستاكي وتوم جونز وخوليو وغيرهم كثر.

 

مع الفنانين العرب

 كان طوروس في مطلع صعوده حين التقى موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي نصحه في أول لقاء: «نصيحتي لك، يا أخي طوروس ألاّ تثق طوال عمرك بأحد الفنانين. وبعمرك لا تخدم فناناً من دون الإفادة منه، لأنَّ الفنانين كلهم، يؤدّون التحية لك عند حاجتهم إليك، وعند الاكتفاء منك بالحصول على ما أرادوه، لا يعرفونك. دعهم صغاراً، فطالما هم صغار، هم في حاجة ماسة إليك. أمّا إذا ساعدتهم ليصبحوا أعلى شأناً، بالطبع ينسون ما فعلتَ من أجلهم، بل سوف ينسونك ويتجاهلونك».

ويعتزّ طوروس بصداقة المطرب العراقي الكبير كاظم الساهر، الفنان الأكثر تواضعاً والذي لم تؤثِّر في أخلاقه وشخصيته جميع النجاحات الباهرة، ويذكر شهامته حين جمّد جميع نشاطاته وحفلاته عندما شنت إسرائيل حربها على لبنان سنة 2006 تضامناً مع الشعب اللبناني الذي يكنّ له كلّ المحبة والتعاطف والعرفان .

وينتقل طوروس إلى ميادة الحنّاوي وجورج وسوف وصباح فخري المطرب الحلبي، وصاحب الصوت الخارق ويروي الكثير من الأحداث والنوادر.

مع نجوم الفن اللبنانيين

لدى طوروس في علاقاته مع نجوم الفن اللبنانيين الكثير من الذكريات والكثير من الأحاديث. وقدِ استهلها برسالة إلى روح صديقه وديع الصافي الذي عاش مثلاً في حياته وفي فنّه.

أمّا صباح فهي كبيرة في فنٍّ يكبر بها، وهي عنوان الكرم، وصباح النبل والوفاء. وقد عاشت سنتين في عذاب واكتئاب،عندما أُدرج اسمها على اللائحة السوداء في مكتب مقاطعة اسرائيل، ذلك عندما فاجأها المغني الجزائري اليهودي الأصل أنريكو ماسياس بمرافقتها على البيانو وهي تغنّي على شاشة التلفزيون الفرنسي.

تحفل جعبة طوروس سيرانوسيان بأخبار كبار الفنانين وعلاقاته بهم، وتعتبر مذكراته مَرجعاً وثائقيّاً مُمْتِعاً من تاريخ الفن اللبناني.