محزن ومؤلم بل هو مقرف أن تفشل دولة مثل الكويت ذات الفوائض المليارية، والتي حازت مؤخراً جائزة من المنظمات الدولية لدعمها مشاريع الغذاء العالمية، في توفير وجبة غذائية لبضعة آلاف من أبنائها الطلبة في المرحلة الابتدائية، ويقوم مؤخراً مجلس وكلاء وزارة التربية بإلغاء قرار لمجلس الوزراء يقضي بإعادة الوجبة المدرسية لطلبة المرحلة الابتدائية، بناء على رغبة من القيادة السياسية، ويستبدله بنظام المقاصف المدرسية بما يصاحبها من سيئات وعدم قدرة الأطفال في تلك السن على الوصول والاختيار المناسب للوجبة الأساسية لنمو الطفل في تلك المرحلة العمرية المهمة.

Ad

وجبة الطفل في المرحلة الابتدائية في اليابان والدول الإسكندنافية ودول أخرى تعتبر مسألة أمن وطني، لأنها تؤسس لصحة جيل بكامله، بينما في الكويت يصرح بعض المسؤولين بأن وجبات الأطفال كانت تصل المدارس بمواد غذائية سيئة وأحياناً متعفنة (صحيفة القبس - 14 يوليو 2014)، وهو ما يؤشر لبلوغنا مستوى كارثياً من الخراب الإداري والتسيب في الوظيفة الحكومية، وغياب الذمة والضمير لدى البعض في القطاع الخاص الذي أعماه الجشع ليطعم أطفال الكويت أغذية متعفنة، كما يؤكد كذلك فشل فعالية أنظمة الرقابة التجارية على جودة الاستهلاك والمواد الغذائية المصنعة والمستوردة في البلد!

وبدل أن تنتفض الحكومة -وبصفة خاصة وزارة التربية- لمحاسبة المسؤولين عن ذلك، وإيجاد بديل لتوفير الوجبات لأطفال الكويت، يجتمع مجلس وكلاء وزارة التربية ويختار السهل، الذي لا يحتاج إلى أن يشمروا عن أيديهم لينزلوا بأنفسهم إلى الميدان، ويشرفوا على تغذية أطفال الكويت، بل اختاروا أن يلغوا قراراً لمجلس الوزراء الأعلى منهم، والمنوط به إدارة الدولة والهيمنة على مصالحها وفقاً للدستور، وبدل أن يلاحقوا جنائياً من أرسلوا الوجبات العفنة لأطفال الكويت إلى السجن ستتم مكافأة بعضهم بشراء موادهم ووضعها في مقاصف المدارس!

هذا ما يحدث عندنا في ما يحرص كل معلم في الدول المحترمة على أن يراقب تلاميذه في المرحلة الابتدائية وهم يتناولون وجبتهم الغذائية الصباحية الصحية والمتكاملة المهمة لبناء أجسادهم وعقولهم، بينما مدارس صغارنا ستتحول مرة أخرى إلى مرتع لتجار التجزئة في المقاصف، وكأن لسان حال من اتخذ ذلك القرار يقول لتذهب صحة أبنائنا والأجيال القادمة إلى الجحيم، وليبق الوضع الإداري والعجز التنفيذي في أجهزة الدولة على ما هو عليه!

فمن المسؤول عما وصلنا إليه من ترد حتى أضحينا لا نبالي حتى بوجبة أطفالنا في دولة تتراكم فيها المليارات الفائضة!

***

عندما تقف ظهراً لتملأ خزان سيارتك بالبنزين في إحدى محطات الوقود، وتلمح العامل الذي يقوم بخدمتك في العراء تقريباً، وتحت مظلة مفتوحة يضرب اللاهوب أطرافها ووسطها، بينما يشير مقياس الحرارة في سيارتك إلى ما يقارب الـ50 درجة مئوية فإن أي صاحب ضمير إنساني حي يشعر بالذنب رغم أنه غير مسؤول عن ذلك، ولكن الإخاء الإنساني والرحمة يجعلانك تتألم لذلك المشهد، لاسيما أن هناك حلولاً ممكنة لهذا الوضع فماذا يضير...؟ وماذا يكلف مؤسسة البترول الكويتية لو وضعت بضع مرشات ماء مع مراوح لهؤلاء العمال، خاصة في فترة الظهيرة، فهو عمل بسيط لكنه يريح إنسانيتنا وضمائرنا تجاه إخواننا في الإنسانية.