هل أصبحت مصر دولة «مدنية» لأول مرة؟!
- 1 -
أقرت "لجنة الخمسين" أخيراً، دستور مصر الدائم كدولة مدنية بموافقة كل الأعضاء، ما عدا أعضاء "حزب النور" السلفي.فلماذا عارض "حزب النور" السلفي قيام دولة مدنية في مصر، كانت قائمة بالفعل منذ عام 1805، منذ أن حكم محمد علي باشا وأبناؤه وأحفاده مصر، ومنذ أن حكم العسكر مصر في عام 1952، في عهد عبدالناصر، والسادات، ومبارك؟هناك أسباب كثيرة لمعارضة "حزب النور" السلفي قيام دولة "مدنية" منصوص على مدنيتها، في الدستور المصري الجديد منها:1- تتعالى السلفية بادعاء حيازة السُنَّة، وبالتالي فهي شديدة الإقصاء للمخالفين لها. ولو تواضعت ورجعت إلى الحق، لعلمت أنها تتشابه مع كثير من أتباع المذاهب السُنيّة، في الحرص على اتباع السلف.ولولا هذا التعالي والاغترار، ولولا تغنيهم بمميزاتهم صباح مساء، لحرصوا على ذكر حسناتهم الكثيرة، لكنهم يحفظونها عن ظهر قلب، ويبالغون فيها، إلى حد الاغترار. ونتج عن ذلك، شدة قابلية أصولها للتشرذم والتفريق، بسبب ذلك التعالي والدعاوى العريضة باحتكار السُنَّة، على فهمها الخاص لحدود أهل السُنَّة.2- كان لظهور أكثر الحركات المتطرفة والمكفِّرة، من تحت عباءتها، متدثرة بحججها غير المنضبطة في باب التكفير، واستباحة الدماء، أسوأ الأثر.3- إن السلفية في الأديان الكتابية كافة، لا تؤمن بالدساتير الوضعية، الموضوعة من قبل البشر، ودستورها الوحيد هو "الكتاب المقدس".4- إن السلفية في الأديان الكتابية كافة، تحتقر الديمقراطية، والأنظمة السياسية المدنية، التي يضعها البشر، ولا تثق إلا بما يأتيها من السماء.5- إن السلفية في الأديان الكتابية كافة، تريد- كما تريد الأصولية- حكم الخلافة الراشدية الذي كان قائماً قبل 15 قرناً، مع عدم الأخذ في الاعتبار تغير الظروف، والتاريخ، والمكان، والبشر، والعلاقات الدولية، ووسائل الاتصال، والمواصلات... إلخ.6- إن السلفية في الأديان الكتابية كافة، تحتقر مجالس الشعب، وتحبذ مجالس الشورى عليها. وفي حالة مصر الآن، فالسلفية المعارضة تعلم، أن الدستور المصري الجديد سيؤدي إلى مجلس الشعب، وصناعة القوانين والأنظمة المدنية الموضوعة من قبل البشر.7- إن السلفية المصرية- خصوصاً- تساند وتعاضد معظم الأصوليين، وعلى رأسهم جماعة "الإخوان المسلمين"، وتعتقد ألا نصيب لها في السلطة إلا في كنف "جماعة الإخوان المسلمين". و"حزب النور"، يؤيد ما يؤيده "الإخوان" ويرفض ما يرفضون، حفاظاً على العهد المبرم بينهما. وما موافقة "حزب النور"، ليكون ضمن "لجنة الخمسين"، إلا لذر الرماد في العيون الإعلامية.8- إن سلاح السلفية- كما هو سلاح الأصولية- العنف الدموي، حيث لا حجة منطقية لديهم الآن، في مطلع القرن الحادي والعشرين، لإقامة دولة دينية، غير العنف الدموي بقوة السلاح، وحيث إنهم فقدوا أسلحتهم الدينية في وجود مفكرين إسلاميين متنورين، وعقلانيين. 9- من المعروف، أن "جماعة الإخوان المسلمين" تكره المسيحيين، ومنهم أقباط مصر، وتتمنى القضاء عليهم بعد أن أطلقت عليهم تصنيف "أهل الذمة"، وطالبت بتحصيل الجزية منهم، وهم صاغرون. والدستور المصري الجديد، الذي يعارضه "الإخوان" كما يعارضه السلفيون، يساوي بين المسلم المصري والمسيحي المصري في الحقوق والواجبات، وهو ما لا يرضاه السلفيون والأصوليون.10- لا يتفق تسامح وتنوير وتفهم الأزهر الشريف مع السلفيين المتعصبين المتشددين. وكذلك الحال مع "الإخوان"، فالسلفيون والأصوليون على خلاف في معظم الأوقات، وفي أكثر المسائل مع الأزهر الشريف، الذي لا يعيش معزولاً- كما السلفيين والأصوليين- عن العالم الجديد. ويتبنى الفكر الإسلامي طبقاً لذلك.11- يعارض السلفيون المظاهر السياحية المصرية. والسياحة هي الصناعة الأولى في مصر، ويعيش من خلالها مئات الآلاف من المصريين. والدستور المصري الجديد، جاء مشجعاً وداعماً لهذه الصناعة الرفيعة. في حين أن السلفيين يعتبرون أن السياحة مدعاة للعهر والرذيلة، ويجب التوقف عنها.12- لم يكن السلفيون يودون أن يكون الليبراليون هم عُمد الدستور المصري الجديد. وينكرون على عمرو موسى مثلاً ترؤسه لـ"لجنة الخمسين". فعمرو موسى هاجم السلفية منذ وقت طويل، وتابع هجومه عليهم دائماً بعد ذلك. ففي عام 1994، وفي لقاء "الجمعية الفلسفية الأفرو- آسيوية" التي كانت بصدد تنظيم المؤتمر الفلسفي الدولي، تحت عنوان "ابن رشد والتنوير"، كان عمرو موسى من بين كبار المتحدثين فى الجلسة الافتتاحية لذلك المؤتمر، الذي وقف، وقال:"ليس فى إمكان مؤتمركم أن ينعقد في غير هذا الزمان ولا في غير هذا المكان. فأنتم على وعي تام من أن هذه المنطقة تموج بتيارات عاصفة مناقضة لروح التنوير. فالأصولية تنتشر انتشاراً صارخاً في العديد من الدوائر في منطقتنا، وأعراض التعصب المقيت تفكك العقيدة السمحة والخيّرة لأديان التوحيد، التي يؤمن بها ملايين البشر في الشرق الأوسط. والإرهاب بديل الإقناع والحوار. والمفكرون المستنيرون مستهدفون من متطرفين خرجوا من عباءة أحكام تقويمية فاسدة، وتأويلات تعسفية، مشتقة من تراثنا المشرق".ومن الواضح أن الوضع ما زال على حاله منذ عشرين سنة تقريباً (1994-2013)، ذلك أن ما يحدث في مصر الآن هو إرهاب مغلف بأصولية وسلفية دينية مناقضة لروح التنوير، وأن مواجهته تقف عند حد الشق الأمني الذى يشرف على تنفيذه كل من الجيش والشرطة، على حد قول الفيلسوف المصري المعاصر مراد وهبة.- 2 -ولكن لنعلم جيداً، أن الشعب المصري لن يتخلى عن إسلامه النقي، وأن المسيحيين الأقباط سينعمون بأمان أكبر، وأن مصر منذ أن حكمها محمد علي باشا عام 1805 ثم أبناؤه وأحفاده من بعده، ثم حكمها العسكر منذ عام 1952، كانت دولة "مدنية"، فزادت الدولة المدنية وأعزت الإسلام، وتمسك المصريون بالإسلام أكثر من قبل.فمما يخاف السلفيون والأصوليون في مصر اليوم؟فرغم أن معظم الدول الغربية دول "مدنية"، فإن شعوبها ظلت متمسكة بدينها، ومتبعة لتعاليمه، فإسرائيل الآن مثالنا القريب، وأميركا مثالنا البعيد، فإسرائيل دولة "مدنية"، ورغم هذا، فشعبها اليهودي متمسك جداً بديانته اليهودية ويؤدي طقوسه بدقة، خصوصاً في أيام السبت.وأميركا دولة "مدنية"، ورغم هذا، فشعبها متمسك بديانته المسيحية، وهو أكثر شعوب الغرب أداءً للصلاة في معابده وكنائسه، التي تصبَّ فيها أكبر نسبة من التبرعات السنوية.* كاتب أردني