ما يحدث في سورية الآن هو في حقيقة الأمر حرب استنزاف على كثير من الأطراف التي تطأ أقدامها هذه الحروب العجيبة المتعددة الجوانب التي يتقاتل فيها أطراف عدة داخل دولة واحدة.

Ad

فمثلاً تجد الجيش السوري أو ما تبقى منه، وقوات من الحرس الثوري الإيراني، وميليشيات عراقية شيعية، وميليشيات تابعة لـ"حزب الله" اللبناني وغيرها مساندة لنظام الأسد، وفي المقابل نجد "الجيش الحر" ممثلاً لجموع المعارضة أو قل "الائتلاف السوري المعارض"، وتوجد أيضاً "جبهة النصرة"، وهي ممثلة لتنظيم "القاعدة" كما تؤكد تقارير عديدة، بالإضافة إلى وجود ميليشيات "داعش"، وهي مشابهة لـ"جبهة النصرة" أو غير بعيدة عنها، إضافة إلى عدة كتائب وسرايا وفصائل معارضة للنظام منها المنظم ومنها ما يفتقر إلى أي تنظيم وليس لديه أي مرجعية سياسية معينة.

الواقع، أن تلك القوى كلها تستنزف نفسها بنفسها سواء الموالية للنظام أو المعارضة، فإيران تستنزف مالياً وعسكرياً وحتى بالسلاح والرجال، وكذلك "القاعدة" و"حزب الله" وغيرهما من المجموعات المقاتلة.

في المقابل، يمكننا الاقتراب من معرفة سبب الهدوء والارتخاء الأميركي الغريب بعدم التدخل لنصرة الشعب السوري المنكوب في هذه الحروب العجيبة على أرضه، فأميركا لا تعرف العواطف وحكايات "يمه ارحميني" في مثل هذه الظروف، فالسياسي الأميركي يبحث عن حل "واحد زائد واحد" كم يساوي؟

ولا تنتظر أبداً من هذا السياسي أن يتأمل في عمل خيري أو حملة "ادفع ديناراً تنقذ مسلماً"!

الولايات المتحدة تتعامل فعلياً مع أحداث سورية بطريقة "لم تسؤني ولم آمر بها"، أو كما المثل الشامي "فخار يكسر بعضه"!

وإذ تتابع الأحداث في سورية بعين وتنظر إلى روسيا بالعين أخرى، فستجد أن الكل رابح سواء أميركا أو روسيا، فأميركا ترى أعداءها يستنزفون بعضهم بعضاً، أما روسيا فقد استفادت بدور دولي جديد واستعادت مكانة سياسية كانت ضائعة في السنين الأخيرة، وبدا كأنها منتشية بذلك، فالرئيس بوتين أصبح أقوى رجل في العالم بحسب "مجلة فوربس"، وأصبح للفيتو الروسي صوت رنان في مجلس الأمن الدولي، وغيرها من مكاسب سياسية، آخرها الصفقات التي قرأنا عنها في مصر التي يقال إنها صفقات أسلحة تناهز قيمتها الأربعة مليارات دولار بأموال خليجية حاضرة!

ومع استمرار الفخار في كسر بعضه البعض، لا تسأل أميركا أو روسيا عن لاجئي الزعتري أو غيرهم من اللاجئين في تركيا وغيرها من البقاع التي لجأ إليها المنكوبون من أهالينا في سورية، بالطبع ستجد شعارات إنسانية براقة، لكنك حتماً لن تجد حلولاً مخلصة لهذه المأساة التي تعتبر أقسى المآسي العربية بعد مأساة الشعب الفلسطيني الشقيق.