قرأت قبل أسابيع مقالاً في جريدتنا الغراء للدكتورة الفاضلة أسيل العوضي بعنوان "هل السعادة خيار"- من الاختيار- استشهدت فيه ببعض الآراء الفلسفية والكتّاب والنظريات العامة في محاولة لربط السعادة أو لمعرفة بعض أسبابها، التي قد يكون منها الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المواطن في أي دولة كانت، وتطرقت بشكل عابر للوضع الذي تعانيه البلاد وما وصلنا إليه من إحباط.

Ad

أعاد لي هذا المقال ذكرى واقعة معينة، فقد أهداني أحد الأصدقاء كتاباً "قيماً" بعنوان "سيكولوجية السعادة"، وأصدقكم القول بأني لم أشعر بالتعاسة أكثر من تلك الأيام الثلاثة التي قرأت فيها ذلك الكتاب، وفي اليوم الرابع وأثناء قيادتي السيارة قمت وبكل قوة برمي ذلك الكتاب من النافذة... في تلك اللحظة بالذات أحسست أن جبالاً من الهم قد انزاحت عن صدري وبدأت أشعر بسعادة لا أعرف مصدرها.

عندها أدركت بشكل قاطع أن السعادة لا ترتبط بأنواع معينة من الأغذية أو باتباع قواعد وتعليمات، وبالتأكيد ليست وصفة طبية، ولا أدعي أني أعرف كنهها أو سرها، فلو كنت أعلم ذلك لاستكثرت منها.

وهنا أود أن أورد بعض السلوكيات التي رأيتها أثناء تجوالي في بعض دول أميركا الجنوبية والوسطى والشمالية مروراً بجزر الكاريبي والبهاما، فقد قضيت في تلك البقاع ما يزيد على أربع سنوات. تتميز تلك الجمهوريات والدول بمستوى اقتصادي متواضع مع فارق وتفاوت شاسعين ما بين غنى فاحش لنسبة قليلة من الشعب، وفقر مدقع للأغلبية الساحقة منه، ومع ذلك فالابتسامة تراها دائماً مرسومة على الوجوه في المطاعم الشعبية، والمقاهي المكتظة، وعلى السواحل الجميلة التي غالباً ما تكون موطناً للمرح والسعادة، فالكل يرقص ويغني ويستمتع بالطبيعة والحياة بعيداً عن السياسة وتعاستها.

بدعوة كريمة من صديق من جمهورية كوبا قمت بزيارة لذلك البلد الصديق، وتجولت في معظم أرجائه ابتداءً من هافانا العاصمة مروراً بقاعدة غوانتنامو التي تقع في أجمل بقعة في الجزيرة، حتى وصلت إلى سواحل براذيرو، حيث تتداخل ألوان البحر التي تبدأ باللون الأزرق ثم الأرجواني المائل للأخضر حتى اللون الرمادي ثم الأصفر الذي يأخذ لونه من الساحل الرملي الممتد على مساحة عدد من الكيلومترات التي يصعب عليك الحصول فيها على مكان فارغ.

يعاني المواطن الكوبي في هافانا العاصمة ضغطاً وضيقا في العيش نتيجة لنظام سياسي واقتصادي ما زال يعيش أمجاد الماضي، وفي ظل حصار اقتصادي أميركي جائر يعانيه الشعب أكثر من النظام.

في ظل هذه الأوضاع المأساوية توصل الشعب الكوبي إلى طريقة سيكولوجية تنقله من واقعه المؤلم إلى سماء المرح والسعادة، ففي مساء كل يوم تقريباً وفي إحدى الساحات المقابلة للبحر تقف سيارة "وانيت"، ويتم نصب سماعات ضخمة متصلة بجهاز تسجيل ولا تكاد موسيقى "السامبا والرومبا والصلصا" تصدح بصوت عال جداً حتى يجتمع كل من في الشارع، وتبدأ رحلة يتنقل فيها الجميع من قاع التعاسة والبؤس إلى سماء السعادة والمرح، وتبدأ العقول والأجساد تتلوى وتتمايل كأمواج البحر حتى تظن أنها تخلو من العظام، وتبدأ عدوى السعادة والابتسامة تنتقل من شخص إلى آخر بعيداً عن واقعهم المؤلم.

ومن ناحية أخرى، ولعله من الغريب أن نجد بعض الناس يجدون سعادتهم في التعاسة، فتراهم دائما عابسي الوجوه وكأن جبال الهمّ حطت على أكتافهم، وتزداد سعادتهم إذا استطاعوا أن ينقلوا تعاستهم إلى من حولهم.

وبعيداً عن تلك البقاع فهناك حقيقة ثابتة، فالخطوة الأولى أو نقطة الانطلاق نحو سماء السعادة تبدأ بابتسامة، فمنذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان أرشدنا نبي الأمة ورسول رب العالمين سيدنا محمد بن عبدالله إلى تلك الحقيقة، بل إنه عليه السلام أبلغنا بأن الله سبحانه وتعالى قد جعل للابتسامة أجراً وثواباً، كما جاء في الحديث الشريف "تبسمك في وجهة أخيك صدقة".

والآن لعلنا وصلنا إلى أن خيار السعادة أو التعاسة بيد الإنسان، فبإمكانه أن يكون سعيداً متى ما أراد ذلك أو يكون العكس متى ما حمل الدنيا على أكتافه ويقول الشاعر:

هشت لك الدنيا...

فمالك واجماً

وتبسمت فعلامَ...

لا تتبسما

إن كنت مكتئباً...

لعز قد مضى

فهيهات يرجعه...

إليك تندما

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.