مستشار رفيع لرئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، يختصر اللحظة الحالية، في جلسة جمعت صحافيين بالقول: "حتى البرزاني لا يصدق ما تجنيه كردستان من مكاسب اليوم".

Ad

ويشير المستشار إلى أن المجتمع الدولي كان حتى مطلع شهر أغسطس الجاري، يرفض طلبات ملحة من أربيل لتزويد قوات البيشمركة الكردية، بسلاح يوازي ميزان القوة لدى داعش، إلا أنه واجه رفضاً أوروبياً وأميركياً، خشية أن يعتبر الأمر تسليحاً لدولة كردستان التي تنوي الانفصال عن العراق، ودق جرس الإنذار في أنقرة وطهران وبغداد على السواء. لكن "خليفة الدولة الإسلامية" أسدى خدمة كبيرة كما يبدو إلى أربيل حين اجتاح بسرعة المسافة التي تفصلها عن الموصل والمعروفة بسهل نينوى، وهدد عاصمة الإقليم، وهجّر نحو 400 ألف من الأقليات المسيحية والأيزيدية تهجيراً شاملاً.

ولم يكن هناك رد فعل سريع في الأيام الأولى، ومر الأكراد بلحظة في غاية الصعوبة حين شعروا بأنهم وحيدين، وقد لا يكون أمامهم سوى اللجوء إلى مساعدة إيرانية وأقل منها من تركيا الحذرة جداً من التدخل العسكري في منطقة تختلط داخلها رغبات الثورة ضد نظام بغداد، بقواعد لعبة داعش. إلا أن الأسبوع الأخير شهد أكثر المواقف الغربية وضوحاً، حين تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما عن حلف دولي يشمل بريطانيا وفرنسا، لمساعدة العراق وخصوصاً كردستان كـ"جبهة قتال متقدمة"، فازدحم مطار أربيل بطائرات شحن عسكرية تحمل أسلحة متوسطة وثقيلة، وعشرات الضباط من حلف الناتو والبنتاغون، جاؤوا لتقييم الوضع على الأرض.

لكن هذا الدعم الكبير الذي يصعب على أربيل نفسها تصديقه، تحول إلى قلق حقيقي في بغداد. فهو يعني أن البيشمركة الكردية ستتحول الى جيش حقيقي يوازي جيش العراق، بمجرد خروجها منتصرة من حرب داعش، وهو ما بدأ يتكرس معنوياً على الأقل، إذ شاهد العراقيون جيشهم عاجزاً عن تحرير أي منطقة مهمة، في حين يستفيد الأكراد من غطاء جوي أميركي ويحررون منطقة سد الموصل وعدداً من البلدات المهمة حوله.

ويعني الأمر أيضاً أن على الشيعة أن يفكروا طويلاً، في أسباب اندفاع الغربيين إلى توفير مساعدة لكردستان، في حين تلكأ الدعم الدولي عندما كانت بغداد في خطر، حتى إن اوباما لم يتحرج حين قال بوضوح بعد 2 أغسطس، يوم هجوم داعش على الأكراد، إن الشيعة "ضيعوا فرصة مع واشنطن"، لكن الأكراد "أمة أثبتت أنها عملية ومتعقلة ومتسامحة مع التنوع الديني". وتلك كانت أقسى إشارة من البيت الأبيض، حيال شعور الأميركان بالخذلان إزاء الأحزاب الشيعية التي وصلت إلى الحكم بفضل مغامرة أميركا في العراق.

الغرب يدعم الأكراد بقوة، لكنه يقول لهم إن على أربيل أن تبقى جزءاً من العراق بصلاحيات ترقى إلى الكونفدرالية، وهي صيغة وضع استقلالي أعلى من الإطار الفدرالي الرسمي حالياً، ويقول لبغداد إنه مستعد لدعمها كما فعل مع أربيل، بشرط أن تقبل شراكة كهذه مع الأكراد، إلى جانب خطوات تصالح كبرى مع العرب السنة، لتوحيد الجهود ضد الإرهاب. ويتطلب ذلك مراجعة شيعية عميقة، لا لقواعد اللعبة الداخلية فحسب، بل لمبادئ العلاقة مع الغربيين أيضاً، الذين تألموا كثيراً بسبب انحياز الأحزاب الشيعية إلى القرار الإيراني.

شيعة نافذون كثيرون، يقولون اليوم، إن الاستفادة من الدرس الأخير حاجة لا تقبل التأجيل، وكل شيء على المحك حتى النفوذ الذي بناه الشيعة خلال 11 عاماً مضت، والذي يتطلب تصحيحاً داخلياً وتطبيعاً إقليمياً مع البلدان العربية، وإلا فإن على النظام السياسي في العراق ألا ينتظر سوى "عقوبة دولية"، ولعل هذا أخطر ما يوجد اليوم على طاولة رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي، الذي يستعد للانخراط في أصعب المهام والمسارعة فوراً إلى تلافي أخطاء حقبة نوري المالكي.