ونحن تستذكر مصائب الغزو يجب أن ندرك أن عدونا المشترك كان طاغية أجمع العالم على خبثه وإجرامه، وكان العالم يشهد تحولاً جذرياً في موازين القوة، حيث اختفت الشيوعية وبرز الغرب بقيادة الولايات المتحدة كشرطي شاءت الأقدار أن يكون على خلاف مع النظام الصدامي، وشهد مجلس الأمن فترة زمنية محدودة جداً غير مسبوقة ولا ملحوقة لإصدار قراراته الدولية بالإجماع.

Ad

ذكرى أخرى تطوى على الغزو العراقي لبلدنا في الثاني من أغسطس 1990، ولم تمر منذ ذلك الحين أي سنة ونحن بحال أفضل على الصعيد النفسي والاجتماعي والسياسي، فالمشاكل تبدو أكبر والأزمات بكل أنواعها تتجه نحو المزيد من التعقيد، والنفسيات لا تحمل تلك الطموحات والآمال الإيجابية رغم كل إمكانات النجاح والمقدرات الهائلة التي نتمتع بها كدولة وشعب.

بعد قرابة ربع قرن من حادثة الغزو، ها هي السنين تجري بسرعة قد لا نستطيع تخيلها، لأن أحداث العدوان العراقي تتجلى وكأنها بالأمس القريب، ولكن شباب تلك الأيام تحولوا إلى العقد الخامس والسادس من العمر، والأطفال دون العاشرة أصبحوا في منتصف الثلاثينيات وجيل آبائنا انتقل إلى جوار ربه، نعم هذه سنّة الحياة، ولكن الأهم من ذلك الشعار الذي أطلقه سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد بأننا زائلون، والكويت هي الباقية يتجدد بانتظار أن يحافظ عليها ويحميها كل مخلص ووفي لهذه الأرض.

لماذا نستذكر أيام الغزو؟ ولماذا نسطّر كل مناظره المؤلمة والحزينة وفي ذات الوقت نستلهم صوره الجميلة التي جمعت الكويتيين على اختلافاتهم العميقة، وأذابت كل الفوارق بينهم؟

نقول لأبنائنا الشباب تحديداً نعم كانت الكويت تعاني مشكلات عصيبة قبيل الغزو العراقي، كانت الأجواء الطائفية شديدة الاحتقان كما هي اليوم، وكانت القوى السياسية بأغلبيتها الكاسحة في مواجهة دستورية قوية ضد السلطة التنفيذية، وكانت وسائل الإعلام تحت سيطرة الحكومة، وكانت قصص الفساد المالي تزكم النفوس، وكان الانتقام الحكومي من خصومه لا يخلو من الاعتقال السياسي وسحب الجناسي والفصل من الوظيفة وتسريح العسكريين، وكانت مجاميع تمّجد وتطبّل لهذه الإجراءات.

جريمة صدام حسين مسحت كل هذه الخلافات، وعدوانه الخبيث ساهم في صفاء النفوس لسبب واحد فهمه كل الكويتيين، وهو أن خطر صدام وزمرته لم يفرّق بين أبناء بلدنا، ولم يشفع لأي كويتي مذهبه الديني أو فكره السياسي أو طبقته الاجتماعية، ولم يتميز أحد لكونه من أسرة الحكم أو من أهل السور أو من سكان البادية، ولذا جاءت الجبهة الداخلية رغم صغر حجمها مزيجاً لا يخترق من هذا التركيب المتنوع باختلافاته الكثيرة.

ونحن تستذكر مصائب الغزو يجب أن ندرك أن عدونا المشترك كان طاغية أجمع العالم على خبثه وإجرامه، وكان العالم يشهد تحولاً جذرياً في موازين القوة، حيث اختفت الشيوعية وبرز الغرب بقيادة الولايات المتحدة كشرطي شاءت الأقدار أن يكون على خلاف مع النظام الصدامي، وشهد مجلس الأمن فترة زمنية محدودة جداً غير مسبوقة ولا ملحوقة لإصدار قراراته الدولية بالإجماع، فكان ذلك كله هدية السماء للكويت وأهل الكويت.

ونحن تستذكر أيام الغزو أيضاً يجب أن نفهم جميعاً أن عدونا اليوم متقلب في أشكاله وأنواعه، وأن جبهتنا الداخلية الأكثر هشاشة والانقسامات بيننا لا يجبرها عدو إنما قد يزيده ضعفاً وتشرذماً، والعالم من حولنا ببعديه الإقليمي والدولي يشهد ذروة الاستقطاب والمحاور الشرسة، الأمر الذي يتطلب الحكمة والسماحة والحنكة المتناهية حتى لا تكون مشاهد اليوم هي التي نستذكرها بدلاً من جريمة الغزو بعد ربع قرن من الآن!