ما قل ودل: هولوكست رابعة
الهولوكست اليهودي
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، التي أوقع فيها الحلفاء الهزيمة بدول المحور، والتي راح ضحيتها أكثر من سبعين مليون نسمة من كل الأجناس والألوان والأطياف والأديان، نجح اليهود وحدهم في أن يحصدوا الغنيمة الكبرى في هذه الحرب، وهي دولتهم التي أقاموها على أرض فلسطين، على أشلاء الشعب الفلسطيني، الذي لم يكن له ذنب أو جريرة في المحرقة النازية لليهود في ألمانيا، التي سوّق لها اليهود وضخّموا أعداد ضحاياهم فيها، وهي المحرقة التي سميت بالهولوكست، وأصبح إنكار هذه المحرقة أو التشكيك في أعداد ضحاياها جريمة يعاقب مقترفها في بعض الدول الغربية ومنها فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، فقد استطاع اليهود أن يفرضوا على هذه الدول تضمين تشريعاتها الجنائية نصوصا بتجريم هذا الفعل، واعتباره معاداة للسامية.الهولوكست الإسلاميوقد سوق الإخوان المسلمون لهولوكست جديد، هو ضحايا فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس من العام الماضي، والذي أحيا الإخوان المسلمون ذكراهما في الأسبوع الماضي بموجة من العنف وتصعيده، في مسيرات مسلحة تمثل أول ظهور علني لتنظيم مسلح، في مسلسل العنف الذي تلا فض اعتصامي رابعة والنهضة.ويتفق هولوكست رابعة مع الهولوكست اليهودي في تضخيم أعداد المحرقة النازية، وتضخيم أعداد ضحايا رابعة، والتسويق الإعلامي لمظلومية اليهود المسالمين ضحايا المحرقة، والتسويق الإعلامي لمظلومية المعتصمين في رابعة الذين أرادوا استخدام حق مشروع لهم في التعبير عن رأيهم في رفض ما أسموه انقلابا عسكريا، وما طالبوا به من عودة الشرعية، التي اختزلوها في محمد مرسي، الرئيس الأسبق المعزول.ولكن الخلاف بين المظلومتين يبدو شاسعا، فاليهود لم يرفعوا السلاح في وجه الحكم النازي، واليهود لم يعتصموا أو يعلنوا العصيان في وجهه، بينما شق المعتصمون عصا الطاعة على الدولة في رابعة ورفعوا السلاح في وجهها تمهيدا لإعلان دولتهم، وكانوا يخرجون من مكمنهم في رابعة في مسيرات للتخريب والعنف في مواجهة السلطة.كما أن الإخوان المسلمين قد صنعوا محرقتهم من الألف إلى الياء في رابعة متحدين سلطة الدولة، وكان فض اعتصامي رابعة والنهضة هو الخيار الوحيد أمام الدولة التزاما بمسؤوليتها، وحفاظا على هيبتها وسيادتها وعلى النظام العام، وهو ما قلته في مقال لي على هذه الصفحة في 18 أغسطس من العام الماضي. تقرير هيومان رايتس ووتشونجح التنظيم الدولي للإخوان في الترويج لهولوكست رابعة والنهضة وفي كسب تأييد منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان، والتي حرصت على إصدار تقريرها قبل يومين من الموعد الذي حدده التنظيم لإحياء ذكرى فض اعتصامي رابعة والنهضة، وهو التقرير الذي غابت عنه كل حقائق فض هذا الاعتصام، وأن ما يقرب من خمسين يوماً قد مضت على هذا الاعتصام، وأن جهوداً كبيرة قد بذلت لاحتواء الأزمة السياسية والدستورية التي فجرها هذا الاعتصام، ومن بينها جهود دولية وخارجية، قبلتها مصر على مضض، بالرغم من أنها تمثل انتهاكاً لسيادتها وتدخلاً في الشأن الداخلي، وأن عددا كبيرا من رجال الشرطة استشهدوا وهم يؤدون واجبهم، وبعضهم كانوا في مقار عملهم، بل مثل بجثثهم.كما تجاهل التقرير أن قوات الأمن قد وجهت إلى المعتصمين نداء بالخروج من ميدان رابعة سالمين، وأنهم لن يتعرضوا لملاحقة، ووفرت لهم الطرق الآمنة لذلك، وأن أول رصاصة أطلقت من أسطح العمارات التي احتلها القناصة من الإخوان المسلمين، قد أودت بحياة الضابط الذي كان يوجه نداءه إلى المتظاهرين بفض الاعتصام كما أغفل التقرير واجب الدولة ومسؤوليتها في الحفاظ على النظام العام.واجب الدولة في حماية النظام العام وهو ما قلته في مقال 18 أغسطس المذكور، إذ قلت في هذا المقال لا أحد يستطيع أن ينكر أن انتهاكاً جسيماً لحقوق المواطنين وحرياتهم قد جرى في اعتصامي "رابعة" و"النهضة"، وقد استمر مدة قاربت الخمسين يوماً منذ بدء اعتصام رابعة في 28 يونيو، فقد أغلقت ثلاثة طرق رئيسية أمام المارة، وهي شوارع الطيران ويوسف عباس والنصر وتفتيش الداخل والخارج إليها، وشل مرافق الدولة الموجودة فيها، وإغلاق 4 هيئات حكومية تؤدي إليها هذه الطرق، بالإضافة إلى احتلال مستشفى ومدرستين، وإغلاق عشرات المحلات، إلى أن 2000 أسرة مقيمة بمنطقة رابعة باتت رهينة هذا الاعتصام، وهي مجبرة على استضافة المعتصمين الذين يطرقون أبوابها للاستحمام أو لقضاء حاجة، بعد أن ضاقت دورة مياه مسجد رابعة ودورات المياه التي أقاموها في عرض الطريق بالمعتصمين، فضلاً عن حالات التعذيب التي كان يمارسها المعتصمون داخل الخيام المنتشرة برابعة في حق كل من يشتبه فيه من الداخلين إلى مقر الاعتصام أو المارين بجواره، وهو تعذيب وصل في بعض الحالات إلى الموت، وأقام المعتصمون داخل "رابعة" حكماً ذاتياً، تبتر فيه الأصابع، ويحتجز فيه المختطفون من أنصار ثورة 30 يونيو، ومن بينهم طفل بترت أصابعه لأنه كان يحمل صورة الفريق أول عبدالفتاح السيسي.فضلاً عن استخدام الأطفال اليتامى الذين كانت تأتي بهم الجمعيات الخيرية التابعة للجماعة، كدروع بشرية، بما يعتبر انتهاكاً لحقوق الأطفال، وقد انتهكت السكينة العامة بمكبرات الصوت التي كانت تلقى من خلالها الخطب التي تهدد السلطة والدولة ببحور وحمامات من الدم، والألعاب النارية التي كانت تستمر حتى ساعة متأخرة من الليل.وفي "ميدان النهضة" استخدموا حديقة الأورمان مكاناً لحجز المواطنين وتعذيبهم، إضافة إلى أن شهادات الأهالي أكدت قيام "الإخوان" بربط المعارضين لهم في الأشجار والتعدي عليهم بكل الأشكال حتى الموت.وعثرت أجهزة الأمن داخل حديقة الأورمان على جثتين لشابين وآخرين في غيبوبة من جراء عمليات التعذيب الشديدة التي تعرضوا لها وكانوا على الأرض مقيدي الأيدي والأقدام بالحبال.ومن المعلوم أنه قبل فض الاعتصام بيومين أعلن أحد رموزهم، صفوت حجازي، أنه لا سلمية بعد اليوم.وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.