مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في مصر أصدر الإخوان المسلمون، الذين باتوا يُعتبرون تنظيماً إرهابياً، بياناً ومذكرة يطفحان غموضاً، فالبعض رأى أنهما معاً بمنزلة محاولة للتقرب من مستجدات الوضع المصري والتمهيد لخوض معركة الانتخابات النيابية، بينما اعتبر البعض الآخر أن إصدار هذا البيان وهذه الوثيقة هو من أجل إعلان الوجود ودعوة للمناوئين والمعارضين للمشير عبدالفتاح السيسي، الذي بالإمكان القول وبيقين راسخ إنه هو وليس غيره سيكون رئيس مصر الجديد، لتشكيل جبهة معارضة سيكون مصيرها الفشل بالتأكيد.

Ad

في بيانهم الذي أصدروه قبل يومين كرروا المعزوفة إياها المنادية بتصحيح الأوضاع في مصر، بعد ما يعتبرونه انقلاباً عسكريا، "... ليعود الشعب هو السيد وهو مالك الدولة ومؤسساتها وهو الذي يحكم نفسه بنفسه عن طريق نوابه، ويختار حاكمه وبرلمانه بحرية ونزاهة كاملة، لتعود مؤسسة الجيش إلى ثكناتها لتمارس تخصصها ودورها في الدفاع والحماية، وتبتعد عن السياسة والحكم".

وهكذا فإن بيت القصيد في هذه الحكاية كلها هو التركيز على الجيش الذي لولاه ولولا أميركا لما وصلوا إلى الحكم، فالمعروف أن القيادة العسكرية في ذلك الحين، وعلى رأسها المشير طنطاوي، قد سلمت مقاليد الأمور إلى الإخوان المسلمين تسليماً، وأن هؤلاء في الفترة القصيرة التي حكموا فيها دون أن يكونوا مؤهلين للحكم لم يتذكروا حكمة أن الشعب يجب أن يحكم نفسه بنفسه، بل ولكانوا الآن، لولا انتفاضة "يونيو" المجيدة، التي يعتبرها المصريون الثورة الثانية، يهيمنون على كل شيء في مصر... من الجيش إلى السلك الدبلوماسي إلى الإعلام إلى الأمن إلى الاقتصاد إلى الإدارة والجامعات والأزهر والإفتاء!

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

وحقيقة وبدل كل هذه المناورات والألاعيب وبدل سياسة الاختباء وراء الأصابع والاستقواء ببعض الفضائيات وبـ"رجب طيب أردوغان" وبالطريقة التي بات يتعامل بها مع الداخل والخارج، وحتى مع بعض رموز حزبه... وبدل الإمعان بعيداً في العنف والإرهاب فإنه كان على الإخوان المسلمين، إخوان مصر، أن يستحضروا كل تجارب التاريخ، وأن يعترفوا بهزيمتهم ويقروا بعدم أهليتهم للحكم، وأن يراجعوا وبسرعة مسيرتهم، وأن يغيروا مسارهم السابق ويخطوا نحو الواقع الجديد، ليس خطوة واحدة وإنما ألف خطوة، ليتم قبولهم ليس من قبل المشير السيسي فقط بل من قبل الأغلبية المصرية التي أسقطتهم في انتفاضة (يونيو) لا الجيش ولا الأجهزة الأمنية.

إنه لا يعيب الحزب وأي حزب التراجع عن مواقفه الخاطئة بعد الاعتراف علناً وعلى رؤوس الأشهاد بها، ويقيناً إن أكبر خطأ ارتكبه "الإخوان" المصريون هو أنهم تراجعوا عن قرار المشاركة في الانتخابات البرلمانية فقط تحت ضغط نزوات بعض قادتهم الذين كانوا يتضورون جوعاً إلى الحكم والسلطة والاندفاع نحو الرئاسة، فانكشفت أوراقهم كلها، وثبت أنهم ذاهبون لتصفية كل معارضيهم ومناوئيهم والتحكم بمقاليد الأمور كلها... وبالبلاد والعباد.

والأسوأ أن هؤلاء بدل أن يبادروا إلى إعادة النظر بحساباتهم كلها وبرامجهم وسياساتهم بعد انتفاضة (يونيو) سارعوا إلى ركوب موجة الإرهاب والعنف لإسقاط ما اعتبروه انقلاباً عسكرياً بالقوة، فاعتبروا منظمة إرهابية، وفقدوا باقي ما تبقى لهم من شعبية، وحشروا حاضرهم وماضيهم في دائرة "القاعدة" و"أنصار بيت المقدس"، وكل هذه التنظيمات الوهمية الأخرى التي استخدموها واجهة لعملياتهم الدموية الشائنة.