ثمن الضعف ... أوكرانيا تسقط في قبضة بوتين وقتما شاء!

نشر في 10-03-2014
آخر تحديث 10-03-2014 | 00:01
 واشنطن بوست فلاديمير بوتين رجل محظوظ، وما زال أمامه ثلاث سنوات إضافية من الحظ، فقد استولى على القرم، لكن الرئيس أوباما يقول إن هذا لا يخدم مصلحة روسيا، حتى إنه لم يعتبر هذه الخطوة ذكية من الناحية الاستراتيجية، بل علامة ضعف.

أهذا صحيح؟ كانت منطقة القرم ملكاً لموسكو طوال مئتَي سنة، فقد ضمتها روسيا إلى أراضيها قبل عشرين سنة من حصول جيفرسون على لويزيانا، لكنها فقدتها خلال مرحلة الذل في تسعينيات القرن الماضي، إلا بوتين تمكن من استعادتها قبل أيام من دون طلقة نار واحدة.

تلوح القوات الروسية اليوم في أفق شرق أوكرانيا وجنوبها، ويستطيع بوتين السيطرة على هذه المناطق ساعة يشاء، إذا أراد ذلك، لكنه تمكن راهناً من زعزعة الحكومة الوطنية في كييف، فتبدو أوكرانيا اليوم مبتورة وتتفادى الانهيار بفضل المال الأميركي والأوروبي (علماً أن معظم هذا المال يُدفع مقابل الغاز وسينتهي به المطاف إلى خزانة بوتين).

أعلن أوباما أن التاريخ لن يرحم بوتين، في حين ذكر وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن بوتين يتبنى "في القرن الحادي والعشرين سلوكاً اعتدناه في القرن التاسع عشر".

لا بد من أن هذا يعني أن السعي وراء القوة الوطنية، والتوسع، والهيمنة (التي تحفز الأمم منذ عهد ثوسيديديس) بات اليوم جزءاً من الماضي، كما لو أن تغييراً في الروزنامة أحدث ثورة في الطبيعة البشرية، محوّلاً ساحة الصراع الدولية من قتال هوبزي على السلطة إلى نادٍ للنبلاء يُعتبر فيه انتهاك وحدة أراضي دولة أخرى أمراً مستحيلاً.

أعلن كيري: "لا يُعتبر هذا تصرفاً يليق بأمة كبيرة في مجموعة الدول الثماني في القرن الحادي والعشرين"، لكن كلامه هذا يجعل الغزو يبدو أشبه بخرق لآداب السلوك، كما لو أن أحداً استعمل الشوكة الخطأ في حفل عشاء في منطقة بيكون هيل.

ما السبيل الأفضل إلى فهم سياسة أوباما الخارجية؟ في خطابه الأول في الأمم المتحدة، ذكر أوباما: "لا تستطيع أي أمة، أو بالأحرى يجب ألا تحاول أي أمة السيطرة على أمة أخرى". على أي كوكب يعيش؟ تابع أوباما بعد ذلك مؤكداً "أن اصطفاف الأمم النابع من انقسامات الحرب الباردة، التي انتهت منذ زمن" (مثل حلف شمال الأطلسي؟)، "ما عاد منطقياً في عالم مترابط".

لربما يظن مستشارو بوتين الأكثر ارتياباً أن هذه التعميم الطفولي حيلة، لكن أوباما قرن كلماته المذهلة هذه بأعمال أكثر إثارة للدهشة.

(1) عندما استلم منصبه، أطلق عملية "إعادة الضبط" الشهيرة بغية تصحيح "الانحراف" الذي شهدته العلاقات خلال عهد جورج بوش الابن. لكن هذا الانحراف عاد في جزء كبير منه إلى تجميد العلاقات الذي فرضه بوش بعد غزو روسيا جورجيا، إلا أن أوباما ألغى هذه الخطوة الحازمة وقلَبَ الصفحة، مع أنه لم يطالب بأي مقابل.

(2) ألغى أوباما أيضاً اتفاقات الدفاع الصاروخي مع بولندا والجمهورية التشيكية من دون استشارتهما حتى، ولا شك أن هذا تنازل كبير أمام تهديدات بوتين. ومرة أخرى، لم يطلب الرئيس الأميركي أي مقابل، لكنه بهذه الخطوة وجه رسالة مفادها أن أوروبا الغربية قد تظن أنها حققت الاستقلال بعد الحرب الباردة، غير أنها لا تزال في الواقع في خضم هذه اللعبة، خاضعةً لنفوذ روسيا ومصالحها.

(3) في عام 2012، أكّد أوباما لدميتري ميدفيديف أنه سيكون أكثر مرونة في مسألة الدفاع الصاروخي بعد الانتخابات.

(4) في المعضلة السورية، أوقع أوباما نفسه في مأزق الأسلحة الكيماوية، مهدداً بالضرب ليتراجع بعد ذلك، ثم سمح الرئيس الأميركي لبوتين بإنقاذه، واعداً بالتخلص من المخزون السوري. فرحّب أوباما بهذا الطرح، معتبراً ألا خاسر فيه، في حين أن كلا الطرفين أدركا (أيمكن أن أوباما لم يفهم ذلك؟) أنه منح بشار الأسد شرعية بالغة الأهمية وجعل روسيا الحكم الإقليمي الأهم للمرة الأولى منذ أربعين سنة.

(5) لا ينفك أوباما يقتطع الإنفاقات الدفاعية، فستشكّل هذه الإنفاقات 3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2016، فضلاً عن أن عديد الجيش سيتراجع إلى ما كان عليه قبل بيرل هاربر، علماً أن روسيا تواصل بناء قواتها وإيران تسعى إلى تطوير أسلحة نووية والصين تعلن زيادة تفوق 12% في إنفاقها العسكري.

هذا محير بالتأكيد، فما من حالة مالية طارئة في الولايات المتحدة أو انهيار في الموازنة، كذلك أعلن أوباما نهاية مرحلة التقشف في كل الوزارات والإدارات، باستثناء الجيش.

هل نلوم بوتين، إذاً، إن اعتقد أنه إذا استولى على القرم وهدد كييف، فسيبقى رد فعل أوباما محدوداً، شأنه في ذلك شأن قدرته على قيادة الأوروبيين؟

هل كان بوتين سيسعى إلى بسط هيمنته على أوكرانيا لو لم يكن يواجه خصماً ساذجاً؟ لا أحد يستطيع الإجابة عن هذا السؤال، لكن الوضع الراهن سهّل بالتأكيد على بوتين اتخاذ قرار مماثل.

ستُطرد روسيا من مجموعة الدول الثماني، إذا نجح أوباما في إقناع أنجيلا ميركل بمجاراته، ولا شك أن هذه مسألة مهمة، فضلاً عن أن بوتين يأبه كثيراً بالعقوبات المالية، غير أن الأوروبيين منقسمون ويتخبطون في ما بينهم.

سيشهد الأسبوع المقبل استفتاء في القرم حول ما إذا كانت هذه المنطقة ستعود إلى أحضان روسيا، فهل يرفض بوتين أمراً مماثلاً؟ يستطيع اليوم قراءة ما سيُكتب عنه في كتب التاريخ. سيطرت كاثرين العظيمة على القرم واستعادها فلاديمير (العظيم؟). ولا شك أن هذا ليس سيئاً البتة بالنسبة إلى رجل من القرن التاسع عشر.

* تشارلز كراوثامر | Charles Krauthammer

back to top