المهم الآن، وقد وصلت القضية الفلسطينية إلى هذا المنعطف الحاسم فعلاً، هو الأفعال وليس مجرد الأقوال، إذ إن ما بات يحتاج إليه الأشقاء الفلسطينيون الصامدون في وطنهم هو الدعم الحقيقي بالأموال والمواقف السياسية الخالصة لوجه الله وخدمة هذه القضية التي هي، وهذا ليس من قبيل التلاعب بالعواطف بل من قبيل تأكيد الحقائق، قضية العرب الأولى التي بدون حلها الحل المنشود فإن الكرامة العربية ستبقى مهدورة، وستبقى رؤوسهم مطأطأة نحو الأرض.

Ad

هناك الآن هجوم إسرائيلي كاسح وتهديدات للقيادة الفلسطينية، التي أثبتت أنها على مستوى هذه المسؤولية التاريخية الثقيلة، بقطع الأرزاق وقطع الأعناق. والسبب أن الفلسطينيين ترفعوا عن خلافاتهم واستعادوا وحدة مزقتها حراب التدخلات الخارجية، وأخطرها التدخل الإيراني الذي كان وراء تدمير اتفاق عام 2006 وانقلاب عام 2007 الدموي المشؤوم.

إنه أمر طبيعي أن تخيف الوحدة الفلسطينية إسرائيل والولايات المتحدة في هذه الفترة التي يعصف التمزق والخلافات بالعرب على نحو غير مسبوق، فهي (إسرائيل) تريد، وقد خدمتها إيران ومعها بعض العرب في هذا، أن تبقى هناك دولة في غزة ودولة في الضفة وأن تتواصل الحرب بين هاتين الدولتين، وكل هذا حتى يبقى الإسرائيليون يتذرعون بأنهم لا يعرفون مع مَنْ مِنْ هاتين الدولتين يعقدون سلاماً ولِمنْ منهما ينسحبون من الأرض.

لقد فقد الإسرائيليون ومعهم الولايات المتحدة، في عهد هذه الإدارة البائسة والمترددة والتي لم يعرف الأميركيون منذ استقلالهم واستقلال بلادهم، إدارة أضعف منها، عقولهم بعد الخطوة الأخيرة، التي لم يكونوا يتوقعونها، والتي أقدم عليها الفلسطينيون، ولهذا فإن على العرب ألا يفاجأوا بأن تحاول إسرائيل التخلص من "أبو مازن" كما تخلصت من "أبو عمار"، ثم إن عليهم ألا يفاجأوا إذا رأوا المستوطنات القذرة تنبت حتى في ساحة الأقصى الشريف وإذا رأوا عمليات ترحيل واسعة النطاق وبالقوة العسكرية للشعب الفلسطيني من وطنه وبخاصة من بعض مناطق الضفة الغربية.

إن هذه ليست مجرد افتراضات مغرقة في التشاؤم، إنها حقائق ليست بحاجة إلى مزيد من الأدلة والبراهين، فإسرائيل ترفض إيضاح خريطة الدولة اليهودية التي تطالب الفلسطينيين بالاعتراف بها، وتساندها في هذا الولايات المتحدة الأميركية. وقد اتخذ بنيامين نتنياهو قراراً باسم حكومته اليمينية المتطرفة بحصار القيادة الفلسطينية اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، وهذا يتطلب موقفاً عربياً أكثر من الكلام وأكثر من البيانات "العرمرمية" وأكثر من التنظير والنصائح. إنه يتطلب دعماً بالأموال والضغط ضغطاً حقيقياً على أميركا لفك ارتباطها، بالنسبة إلى هذه القضية بالذات، بهذه الحكومة الإسرائيلية التي لا تريد سلاماً، ولا تعترف بأن هناك شعباً فلسطينياً وتريد ابتلاع الأراضي الفلسطينية كلها.

وهنا فإن ما تجب الإشارة إليه، وبكل تقدير واحترام، هو أن أداء القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها محمود عباس "أبو مازن" مثيرٌ للإعجاب، وتنطبق عليها تلك الحكمة القائلة: "لا تكن ليناً فتُعصر ولا قاسياً فتُكسر"، ولعل ما لفت انتباه المتابعين أن الرئيس الفلسطيني، خلافاً لما كان متوقعاً، أعلن أن حكومة الوحدة الوطنية التي يفترض تشكيلها خلال خمسة شهور برئاسته ستكون حكومة سلام وأنها ستعترف بإسرائيل، على غرار ما كانت فعلته منظمة التحرير في بدايات تسعينيات القرن الماضي.