القمة الخليجية الجديدة .. صعوبات وتحديات!
خلال أيام ستنعقد القمة الخليجية الجديدة، هنا في الكويت، وستواجه حتماً الكثير من الأسئلة التي لم تواجهها سابقاً، رغم أنها بقيت تواجه أسئلة صعبة منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي في الخامس والعشرين من مايو عام 1981، وعلى مدى الاثنين والثلاثين عاماً الماضية. فهذه المنطقة تمر الآن بظروف لا أصعب ولا أقسى منها، فاتفاقية "النووي" بين إيران والولايات المتحدة لاتزال تؤرق أغلبية دول الخليج العربي إن لم تكن كلها، رغم كل التطمينات الأميركية والإيرانية، والعراق الذي يحاذي الخاصرة الشمالية للمجموعة الخليجية يكابد حرباً أهلية طائفية دامية ومدمرة بالفعل، ووضع اليمن في أقصى الجنوب الغربي ليس أفضل كثيراً من وضع بلاد الرافدين المؤلم، وفوق كل هذا فإن هناك الجرح السوري الراعف، حيث تحولت سورية إلى ميدانٍ لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. وحسب ما يرشح وما يقال، فإن هذه القمة ستجد على جدول أعمالها، المثقل بالعديد من القضايا الضاغطة، مشكلة داخلية تتعلق بضرورة التزام الجميع بالأطر السياسية المتفق عليها وعدم خروج أيٍّ من الدول الأعضاء على ما هو مقرٌّ ومتفقٌ عليه، وخاصة بالنسبة إلى الأزمات العربية المتفجرة، سواء في اليمن أو العراق أو مصر أو سورية أو ليبيا، وكذلك فإن هناك مسألة توحيد العملة الخيلجية التي لم تحْظَ بإجماع الكل حيث اتخذت دولتان موقفاً متحفظاً ومختلفاً عن مواقف الدول الأربع الأخرى.
وهنا فإن ما يجب أنْ يقال هو أن "الكمال" لله وحده، وهو أنه حتى في العائلة الواحدة لابد من وجود خلافات ولابد من عدم وجود توافق على كل شيء، ومن المعروف أن مجموعة الاتحاد الأوروبي، التي بدأت بـ"السوق الاقتصادية" المشتركة في عام 1958 أي قبل خمسة وخمسين عاماً، لاتزال تعصف بها خلافات وتناقضات وتعارضات كثيرة وأن بريطانيا، التي تعتبر إحدى دول هذا الاتحاد الرئيسية والأساسية، كانت قد امتنعت عن الانضمام لتوحيد عملات هذه الدول الأوروبية لكن كل هذا لم يحُلْ دون استمرار هذا التكتل الذي انضمت إليه لاحقاً، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينيات القرن الماضي، دول أوروبا الشرقية التي كانت تنضوي خلال فترة صراع المعسكرات إلى ما كان يسمى المنظومة الاشتراكية. كان العرب قد جربوا الوحدات الاندماجية، كالوحدة بين الضفة الغربية والضفة الشرقية في بدايات خمسينيات القرن الماضي في إطار المملكة الأردنية الهاشمية والمعروف أن هذه الوحدة انتهت بعد هزيمة يونيو عام 1967 وكالوحدة المصرية-السورية (الجمهورية العربية المتحدة) في عام 1958 التي لم تصمد إلا ثلاثة أعوام فقط وانتهت بانقلاب عسكري فتح الأبواب لسلسلة من الانقلابات العسكرية اللاحقة آخرها انقلاب حافظ الأسد على "رفاقه" عام 1970 ثم هناك وحدة جنوب اليمن مع شماله في عام 1990 التي جرى تثبيتها بحرب عام 1994 والواضح أنها لم تثبت حتى الآن والدليل انفجار الحوار الوطني الأخير وهو تعاظم الدعوات للعودة إلى لحالة "التشطيرية" السابقة. وبالإضافة إلى هذا كله، فإن المعروف أن معمر القذافي بادر إلى محاولات "وحدوية" بهلوانية كثيرة كلها باءت بالفشل، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، أنه كانت هناك وحدة ثلاثية بين سورية (الأسد) ومصر (السادات) وجماهيرية (الأخ القائد)! لم تعش إلا شهوراً قليلة وانتهت دون نواحٍ أو قدّ جيوب وبدون أي مبرر معروف، ولعل ما يدل على جدية أصحاب هذه الوحدة أنهم نصبوا رئيساً لها هو نقيب المعلمين السوريين السابق أحمد الخطيب الذي لعب دور "المُحلِّل" خلال فترة انتقال حافظ الأسد من رئيس وزراء إلى رئيس جمهورية. وبكل هذا فقد ثبت أن تجربة مجلس التعاون الخليجي، رغم أنها لم ترتق إلى مستوى أحلام الوحدة الاندماجية: "من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر" هي التجربة الوحدوية الممكنة القائمة على تعزيز الخصوصية في الإطار الوحدوي الواسع جداً وهذا هو ما يلائم دول بلاد الشام والهلال الخصيب ومعها العراق ودول النيل العربية ودول شمالي إفريقيا (المغرب العربي).. وأيضاً، وإذا كان لابد من هذا، فاليمن الفدرالي مع الصومال وجيبوتي.. وجزر القمر إنْ أردتم!