الدولار... العملة التي لا غنى عنها

نشر في 30-01-2014 | 00:01
آخر تحديث 30-01-2014 | 00:01
في وقت مبكر من عام 2009 سئل لوه بينغ، وهو مسؤول في لجنة تنظيم البنوك في الصين، عما إذا كانت بكين ستواصل شراء السندات الحكومية الأميركية. فأجاب: «ليس هناك الكثير مما يمكننا القيام به. بالنسبة للجميع، بما في ذلك الصين، يعتبر هذا هو الخيار الوحيد».

بدت هذه الملاحظة كأنها تخالف الإحساس الفطري، في أعقاب حمى أسوأ أزمة مالية منذ الكساد العظيم. في الوقت الذي بدأ فيه مجلس الاحتياطي الفدرالي بطبع النقود بقوة، كان الدولار يعاني الهبوط. واستطاع رئيس الهيئة الكويتية للاستثمار، بدر السعد، أن يفهم تماماً مزاج المستثمرين الأجانب في سبتمبر 2011، عندما قال إنه تربى على اعتقاد مفاده أن سندات الخزانة الأميركية خالية من المخاطر، لكنه لم يعد يعتقد أن هذا ما عليه الحال الآن.

مع ذلك، النتائج الوخيمة التي توقعها كثيرون في الفترة الأخيرة لم تتحقق بعد. ولايزال الدولار قوياً نسبياً مقابل معظم العملات، وأسواق الأسهم الأميركية في أعلى مستوياتها، وسوق السندات قوية. والواقع أن الأزمة عززت فعلاً دور الدولار في النظام المالي العالمي.

«فخ الدولار»

حتى نفهم السبب في ذلك، أفضل ما يقوم به القارئ هو أن يتحول إلى كتاب إسوار براساد، بعنوان «فخ الدولار». براساد هو الخبير الاقتصادي وأستاذ كرسي السياسة التجارية في جامعة كورنيل، ويستند إلى عمل آخرين، مثل رونالد ماكينون من جامعة ستانفورد، وباري أيشنجرين من جامعة بيركلي، في دراسة دور الدولار في الاقتصاد العالمي.

وباعتباره الرئيس السابق لدائرة الصين في صندوق النقد الدولي، فإنه يجلب لهذه المهمة فهماً عميقاً للبلد الذي تمثل عملته الآن المنافس الرئيسي للوضع الراهن. والنتيجة التي توصل إليها هي أن «حالة التوازن التي يظل فيها الدولار عملة الاحتياطي العالمي المهيمنة تعتبر دون الوضع الأمثل، لكنها مستقرة وتعزز ذاتها بذاتها».

نعمة ونقمة

وفي رأي براساد أنه حين يكون لدولة معينة عملة للاحتياطي العالمي، يعتبر هذا نعمة ونقمة في آن معا. فبسبب الطلب على الدولار والاستثمارات المقومة بالدولار، تعتبر أسعار الفائدة في الولايات المتحدة أقل مما كانت ستكون عليه بخلاف ذلك.

ويمكن لأميركا أن تعيش بشكل جيد وبمستوى أعلى من إمكاناتها، وهو ما يعتبر مصدر استياء للعديد من أولئك الذين يجدون أنفسهم يعملون على تسهيل عملية التبذير هذه. لكن في الوقت نفسه، حقيقة أن الدولار أقوى من الأساسيات، من شأنها أن تتلف القدرة التنافسية لصادراته. وبالنسبة للولايات المتحدة، ومع سوقها المحلي الضخم، قد لا يعني لها الأمر كثيراً بقدر ما يعني للبلدان الصغيرة - لكنه لايزال يسبب الألم. والتعطش إلى الأوراق المالية المقومة بالدولار ينبع بشكل جزئي من حاجة الأسواق الناشئة إلى الموجودات السائلة الآمنة، لتدافع بها عن عملاتها من تدفقات رأس المال المتقلبة، ولعدم وجود أي مصدر واضح غيرها من الإمدادات. وكلما كثرت الأوقات المضطربة، زادت الحاجة إلى الأصول التي يمكن تحويلها إلى نقد في أي لحظة لإخافة المضاربين. وكما يشير براساد، قد لا يبدو من الحكمة بالنسبة للأجانب شراء سندات دولة لديها أصلاً الكثير منها، خصوصا عندما يكون الاتجاه طويل الأجل على الدولار هو الانخفاض، لكن عدم وجود بديل أفضل يقدم نوعا منحرفاً من الاستقرار.

وتحليل براساد عن السبب في أن الرنمينبي الصيني ليس بصدد إزاحة الدولار مقنع للغاية. وفي حين يتزايد استخدام الرنمينبي في المعاملات التجارية ويتم الاحتفاظ به في احتياطيات الشركاء التجاريين، إلا أن هذا وحده لا يعتبر كافياً لجعله عملة للاحتياطي. المشكلة هي أن بكين لاتزال غير مستعدة للتخلي عن السيطرة على تدفقات رأس المال، إما لأنها تخشى من أن الكثير من ارتفاع قيمة العملة سيضر بالصادرات، وإما لأنها تريد منع المال من التدفق خارج الصين بحثاً عن عائدات أعلى. ويعبر ستيفن إنجلاندر، وهو محلل في سيتي يستشهد به المؤلف في كتابه، عن ذلك بنوع من البهجة حين يقول إن الصين ترغب في أن يصبح الرنمينبي عملة الاحتياطي «لكنها لا تريد أن يقوم أي شخص بشرائه دون إذن».

الصين

وعلاوة على ذلك، مازالت الصين غير مستعدة للتعامل مع التقلبات المالية. صحيح أن بنوكها كبيرة لكنها ليس قوية بالضرورة، وأجهزتها التنظيمية وكذلك مصرفيوها لايزالون يتعلمون فن إدارة المخاطر. وأخيراً، تفتقر الصين إلى سوق عميقة للسندات الحكومية، لذلك ليس لدى هؤلاء الذين يبحثون عن أصول الرنمينبي الآمنة نسبياً العديد من الخيارات من الأدوات الاستثمارية حتى الآن.

وهناك العديد من المجالات التي قام براساد باستكشافها أبعد من ذلك، مثل ما إذا كانت البنوك المركزية تتعرض لزيادة الضغط السياسي عليها في عالم ما بعد الأزمة. وإذا كان الأمر كذلك، ما هي العواقب طويلة المدى التي ستنجم عن ذلك الضغط. قد يجد بعض القراء أن كتابه ينصب بشكل مباشر على العارفين ببواطن الأمور من حيث اهتمامه بالدخول في تفاصيل المماحكات والمناقسات في صندوق النقد الدولي. لكن هذه مشاكل صغيرة. من يريد أن يفهم كيفية عمل عالم التمويل الدولي، وما هي أجنداته، وما هو على المحك، يُعتبر هذا الكتاب لا غنى عنه.

(فايننشال تايمز)

back to top