متحف طه حسين يستعيد حضور «العميد» بعد 40 عاماً على رحيله...
ضمن النشاطات في الذكرى الأربعين لرحيل د. طه حسين (28 أكتوبر 1973)، نُظمت احتفالية كبرى على مدى أربعة أيام، في متحف رامتان برعاية رئيس قطاع الفنون التشكيلية في مصر د. صلاح المليجي، وتضمنت برنامجاً ثقافياً وفنياً حول سيرة عميد الأدب العربي وإبداعه، على أن تختتم في 13 نوفمبر.
لفت مدير متحف طه حسين، محمد عبد الغني، إلى أهمية الاحتفال بذكرى د. رحيل طه حسين، لا سيما أن الاحتفالية تنطلق من المنزل الذي عاش فيه «العميد» في القاهرة، وتعرّف الأجيال بآثاره الأدبية والفكرية، وتكريس قيمة الاحتفاء برموز الثقافة والفكر والمجالات العلمية المختلفة.تضمن برنامج الاحتفالية جولة يومية للأطفال في المتحف، عرض فيلم تسجيلي عن حياة د. طه حسين، ورشة فنية في الرسم تم فيها إنجاز لوحات من وحي المتحف ومقتنياته، إضافة إلى ورشة حكي أدارتها الباحثة ميرفت أبوبكر، لتدريب النشء على فنون السرد الأدبي.
كذلك شهدت الفعاليات، ندوتين: «طه حسين وجنة الحيوان» للدكتور حسين حمودة، و»طه حسين من قلب مصر إلى عرش الأدب العربي « للباحث علي عمران، وعرض فني عن حياة وإبداع «العميد».وأوضح محمد عبد الغني أن إنه الحفل الختامي في 13 نوفمبر، يتضمن معرضاً فنياً، وشهادات مشاركة مقدمة من {المركز القومي لثقافة الطفل} وقطاع الفنون التشكيلية المصرية.وارتكزت الفعاليات على سيرة د.طه حسين، التي وثقها في كتابه «الأيام»، وتناولت ولادته (15 نوفمبر 1889) وطفولته وصباه في قرية عزبة الكيلو بمحافظة المنيا بمصر، وأهم محطاته العلمية، ونبوغه الفكري.متحف رامتانيعد المتحف شاهداً على تاريخ من الاستنارة الفكرية، وهو المنزل الكائن بمنطقة الهرم بالجيزة، سماه طه حسين «رامتان» وعاش فيه سنوات مع زوجته الفرنسية سوزان وابنيه مؤنس وأمينة، حتى وفاته وخروج جنازته من جامعة القاهرة.ويضم المتحف ذكريات قصة حب خالدة جمعت بين حسين وزوجته الفرنسية التي أدت دوراً مؤثراً في حياته، وقرأت له مراجع وكتباً، وقال إنه «منذ سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم».تحول منزل «العميد» إلى متحف ومركز ثقافي (افتتح في 15 يوليو 1997)، وتقام في قاعاته فاعليات ثقافية، ويضم مقتنيات وآثار صاحبه، وأصداء حقبة تاريخية لإبداع متفرد.وفي {رامتان}، أنجز حسين مؤلفات حملت طابع الاستنارة والتجديد الفكري، وأثار بعضها جدلاً في حياته وبعد رحيله، أهمها «في الشعر الجاهلي»، وقد اختلف معه مثقفو عصره. وقدم حسين للمكتبة العربية الكثير من المؤلفات، من بينها: «حديث الأربعاء»، «على هامش السيرة»، «أديب»، ودعاء الكروان» وغيرها، واتسم أسلوبه بالسهل الممتنع، واستقطاب القارئ البسيط، من دون تعقيد ورطانة.تراوح عطاء حسين بين الإبداع والنقد الأدبي والدراسات الفكرية، وترك بصمته المتفردة في فنون السيرة التاريخية والرواية والقصة الطويلة، فضلا عن جرأته الفكرية في تناوله حقباً من تاريخنا العربي.كذلك كتب حسين عن «مستقبل الثقافة المصرية»، واعتبر أن التعليم كالماء والهواء، وهو أول من طالب بالمجانية في المدارس والجامعات، ودافع عن حق شرائح المجتمع في تلقي العلم من دون تمييز.ونشر «العميد» مقالاته في الصحف مثل «حديث الأربعاء» و»الأيام»، وخاطب قراء الصحف، بالدرجة الأولى، وليس قراء الكتب، ويلمس المتابع لهذه الكتابات أنه حدث فيها تغيير جذري حين ضمتها كتبه.وتعددت إسهاماته الفكرية والأدبية التي شكلت وعي كثير من قرائه وتلاميذه، وناقشت قضايا أرّقت المجتمع في عصره، وما زالت تثير الجدل وتثري العقل العربي لغاية اليوم.معارك فكريةدخل طه حسين في معارك فكرية مع كتاب عصره، مثل المنفلوطي والرافعي والعقاد، وساهم في تجديد الخطاب الأدبي، وحرية النقد والتفكير، وأسس لكتابة منهجية رائدة في الفكر العربي المعاصر.كذلك تواصل مع إبداعات الشباب في ذلك الوقت، وكتب مقدمات لباحثين وأدباء، مثل مقدمته لمجموعة قصص «أرخص ليالي» ليوسف إدريس، واحتفى بالكتابة الشعرية الجديدة، وانتقد الجمود والتطرف الفكري.كتب حسين عن توفيق الحكيم واحتفى بمسرحيته «أهل الكهف، معتبراً إياها إنجازا درامياً غير مسبوق في الأدب المسرحي العربي، وانحاز للكتابة الجديدة في القصة والرواية والشعر، معتبراً أنها تمثل مستقبل الثقافة العربية.وفي هذا السياق، أكد الناقد الراحل رجاء النقاش دور حسين في النقد، واعتبره الناقد القوي وصاحب رؤية تنويرية منحازة للمستقبل، وأثنى على دوره المؤثر في الحياة الثقافية العربية، وتقديمه لأجيال من الباحثين والمبدعين في الفكر والأدب.ما زالت أثار طه حسين ومحطات من حياته موضع درس الباحثين، لا سيما تحوله من الدراسة في الأزهر إلى الجامعة الأهلية، وحصوله على الدكتوراه عن أطروحته «ذكرى أبي العلاء المعري»، ودراسته في السوربون، وأهميّة مؤلفاته في فهم مراحل تطوره الفكري.