آخر سور شُيّد في الكويت في عام 1920 في عهد المرحوم الشيخ سالم المبارك الصباح، وتمت إزالته في عهد المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح عام 1957، مع الاحتفاظ ببواباته الخمس (دسمان، البريعصي، نايف، الجهراء، المقصب).

Ad

في الواقع ذلك ليس آخر سورٍ تشيده الكويت كما تزعم المصادر والمعلومات الموثقة، فقد تم تشييد العديد من الأسوار بعد ذلك السور، وإن لم تكن من طين أو حجر، فإذا كان الهدف من بناء الأسوار حول المدن هو تأمين الحماية لها، فالدستور الكويتي الذي صدر في 11 من فبراير عام 1962 على سبيل المثال كان أحد أهم الأسوار التي شيدت بعد آخر سور من طين تمت إزالته، هذا بخلاف أسوار أخرى شيدتها طبيعة الحياة الاجتماعية في الكويت، كالترابط والتلاحم بين مكونات الشعب من جهة، والترابط بين الشعب والأسرة الحاكمة من جهة أخرى، حتى وإن بدا على ظاهر هذا السور التآكل في الحاضر القريب إلا أنه مازال صامدا حتى الآن على الأقل!

إلاّ أن السور الأروع والأبقى في نظري والذي مازال صامداً وباقياً رغم أنف الزمن هو جمال شخصيات كُثر في الكويت، شخصيات لا تمثّل سورا فقط يحمي الكويت ويصون إرثها الاجتماعي المحب للناس وللحياة والجمال، لكنها أيضاً بوابات في ذات الوقت مطرّزة بالنقاء، وموشّاة بالطيبة، من خلالها تدلف للداخل الكويتي الأصيل، ولجوهر الحياة الكويتية، تكتشف من خلالها أن بوابة مغارة علاء الدين ليست أكثر البوابات سحراً، وليست هي قطعاً البوابة المؤدية للثراء الحقيقي، هؤلاء الأشخاص هم السور الحقيقي لكل ذلك الإرث الكويتي من الجمال والطيبة ودماثة الخلق والتواضع، هم الحامي والحافظ لكل تلك الخصال والشمائل التي بني على أساسها ذلك المجتمع الكويتي الصغير في أوائل نشأته، مازال هؤلاء الأشخاص يتوارثون ذلك "الخنين" العالق بثياب قلوبهم، مازالوا يبّخرون سلوكياتهم بكِسَر العود، ويعطّرون حميميتهم بدهنه المعتّق، أشخاص يكدّسون ماء الخليج كلّه دفعة واحدة بين يديك، بلآلئه وأسماكه، وزرقته، وسفنه، وهولوه وياماله، وسمرة بحارته، وسمرات الطرب على شواطئه في ليالي الصيف!

أشخاص يجيدون الضيافة بنفس القدر الذي يجيدون فيه إعداد مشروبهم السحري والذي يصنّعونه من ماء قلوبهم، مشروب له خلطة سرية، لا تقتصر على نكهة "اللقاح"، بل تُمزج به زهيريات الدويش واللعبونيات، وأصوات عبدالله الفرج، ثم يصبّونه في قدح من الودّ لضيوفهم، يعشقون كل ما هو جميل من قول أو عمل، ويتفاعلون معه، ويتماهون مع سحره، ويبشّرون به، وهذه الميزة تحديداً هي ما جعلت الكويت في ما مضى قِبلة لكل مبدع ومثقف في الوطن العربي، ومَقْصداً لكل من يحمل في قلبه أو عقله قبساً من نور، أو كِسرةً من جمال!

هؤلاء الأشخاص مازالوا يحملون هذه الإرث، وكأنما هو أمانة في أعناق جمالهم، أشخاص يجعلونك تقول برغم كل ما تراه وتسمعه: لا تزال الكويت بخير!

أشخاص على شاكلة: صبيح السلطان!

هؤلاء هم  سُور الكويت الحقيقي، وبوابات نورها.