فايق عبدالجليل «رحلة الإبداع والأسر والشهادة» كتاب سيرة موثق بالشهادات والصور، وثقها وكتبها الكاتب والروائي حمد الحمد عن حياة الشاعر المبدع فايق عبدالجليل من بداياته الشعرية إلى سطوع نجمه وشهرته المدوية في كتابة الأغاني وحتى أسره ومن ثم إعلان استشهاده.
الكتاب ألمّ بجوانب متعددة من حياة الشاعر، منذ طفولته وحتى استشهاده من أجل وطنه، ولعل أهم ما جاء فيه هو ذكره لتفاصيل الأيام الأخيرة قبل اعتقاله، وهي المجهولة من أغلبية الناس وأنا واحدة منهم، كنت أتمنى أن أعرف ماذا حدث له في تلك الأيام الأخيرة التي انقطع فيها التواصل بيننا، وكنت أرغب بشدة في معرفة ماذا حصل خلال تلك الأيام التي غاب عني فيها، وتعبت من السؤال عنه ولم أتلق فيها إلا الصمت الطويل الغامض، وجاءت كتابة حمد الحمد لتزيح لي الغطاء عن المجهول الذي حفيت خلف البحث عنه.استطاع حمد الحمد توثيق وتغطية مراحل كثيرة من حياة الشاعر، كما ألقى ضوءا كبيرا عليها، لاسيما جمعه شهادات الكثير من أصدقائه الكتّاب بمختلف تخصصاتهم من صحافة وشعر ومسرح وغناء، إلى جانب اللقاءات التي تمت مع أولاده وزوجته، بحيث جعلت من هذا الكتاب مرجعا لكل من يريد البحث والمعرفة عن كل ما يخص حياة فايق عبدالجليل، وهو الأمر الجميل الذي يضيف إلى أرشيف هذا الشاعر البطل الرائع الذي لا يوفيه حقه حتى وإن كتب كتّاب الكويت كلهم عنه، فكل فرد في الكويت مدين له، وكم من شهيد راح من أجل أن نعيش أحرارا! في وطننا، فهو الشجاع الذي قدم حياته فداء لتراب وعزة هذا الوطن.وملاحظتي الأولى هي اتفاق الجميع على رسم صورة فايق عبدالجليل كما يعرفونه، ولو أني لم أعرفه لقلت ان كلامهم في العموم مرسوم، لكن في الواقع هذه هي صورته الحقيقية، وهي شهادة اتفق عليها جميع معاصريه حتى وان لم يعرف بعضهم بعضا، وحتى ان كانوا غير كويتيين، جميعهم أجمعوا على رقته ولطفه وكرمه وعفة لسانه، صفاته جعلت حتى من يغار منه أو ينافسه لا يجد قولا يسيء إليه، الكل اتفق على ذكر نفس الكلام واستخلاص ذات المعاني، وهذا يعني صدق وعمق ما وصل إليهم حتى اتفقوا على ذكره، وأن هذه هي صورة حقيقية وأصلية له.كرم فايق ليس له حدود فقد كان فاتحا قلبه وبيته لكل من يعرفه ليس فقط لأصدقائه وزملائه في المسرح والعمل، بل لكل ضيوف الكويت من الفنانين والمعارف، وأذكر في احدى المرات أنه أخذ مجموعة من الأصدقاء المخرجين المسرحيين الزائرين إلى الخياط ليخيط للجميع «دشاديش كويتية» مع شراء كل ما يلزمهم معها.الملحوظة الثانية هي شهادة الملحن الكبير» يوسف المهنا» الذي تعاون معه في تلحين الأغنية الأشهر التي تخطت حواجز المحلية لتصل إلى العالمية، الا وهي « في الجو غيم» «وبعاد كنتم» وغيرها العديد من الأغاني الناجحة، والمهنا يصف العمل معه بقوله: «ان الأغاني كانت تصاغ في مطبخ فني بين الشاعر والملحن، مما ساهم في نجاحها، وهذا يعني أن الشاعر والملحن يجلسان للتحضير لكلمات الأغنية للتوافق مع التصور الموسيقي» كلام يوسف المهنا يوضح طريقة فايق في الكتابة، فهو يكتب كوبليه أو المقطع الأول والثاني ويتوقف عند هذا الحد في أغلب الأحيان، ثم يجلس مع الملحن ربما من بعد فترة زمنية تكون أحيانا طويلة ليكتب المقطع الثالث ومع الإلهام الموسيقي تتم الأغنية، وكنت أستغرب من طريقته هذه في صياغة الأغنية، لأنها أحيانا تكون قد انفصلت المشاعر التي ولدت مقطعيها الأول والثاني، لكن فايق كانت له قدرة على تفصيل ورقع المسافات الزمنية في كتابة مشاعر الأغنية.الملاحظة الثالثة كانت في رسالته الأخيرة التي تركها لزوجته وأولاده، عندما قرأتها كنت أحاول أن أتأكد من أنه حقيقي قد كتبها، وفرحت بها كتذكار باق منه لأسرته، وسعدت أكثر حينما تعرفت على أسلوبه في كتابتها، فهو يدون دائما ساعة كتابته وتاريخها والمكان الذي كتبها فيه بدقة متناهية.وفي المقالة اللاحقة شهادتي التي لم تدون في الكتاب.
توابل
فايق عبد الجليل (1)
14-04-2014