«صنعائي» اسم رواية للمهندسة والكاتبة اليمنية نادية الكوكباني، وهي روايتها الثانية وأول كتاب قرأته لها.

Ad

الرواية فاجأتني بموضوعين، الأول هو أنها تتكلم عن مدينة صنعاء التي أعرفها وأحبها وأحفظ معالمها وطقسها وشوارعها وكل ما فيها، فشوارعها وطرقاتها سرت بها، وجميع محلاتها عبرت بها، وتنفست هواء بساتينها الصغيرة المخفية بين بيوتها المتفردة ببنيانها الغريب، وسماسرها، اي مقاهيها التي لا تشبه إلا نفسها، وخبرت نسائها العابرات بستائرهن الملتفة حول أجسادهن الصغيرة النحيلة، المهرولات على عجل إلى مجالس التفرطة لتناول القات، رأيت صنعاء وعرفتها ولا أنسى آخر مشاهدها، قمرها المعتلي بوابتها العظيمة التي تحتمي مدينة صنعاء القديمة خلف أسوارها وذاك السحر الأسطوري المتغلغل بها.

الموضوع الثاني كان مفاجئا لي حيث وجدت في الفصل الأخير صفحة من روايتي «حجر على حجر» أخذتها المؤلفة لتناص مع روايتها، الأمر الذي أعاد لي ذاكرة كتابتي لها، التي ربما أكون أول كاتبة عربية كتبت عن اليمن، وربما قبل كتابها أنفسهم، فما كتبته عنها نبه إليها كتابها، فحين كتبت عن يهود اليمن سبقت كتابهم في كتابتي عنهم، وأنا سعيدة بهذا السبق.

صنعائي رواية تحكي تاريخ اليمن السياسي في المقام الأول، ثم الاجتماعي والتاريخي والتراثي، كما اشتغلت على التقاليد والعادات وأسرارها التي لا يعرفها إلا من عايشها وسكن فيها والتي فاجأتني وغيرت فكرتي عنها، فبالرغم من قضائي وقتا طويلا بها فإني لم أعرف أن نساء اليمن يتمتعن بكل هذه الحرية والانفتاح في علاقات الحب والجنس حتى وإن كانت بالخفاء وبعيدة عن العيون لكنها موجودة.

رواية صنعائي تحكي حكاية مدينة معشوقة من قبل أبطالها، رجلين وامرأتين، أربع شخصيات عشقوها وذابوا في هواها، ومن خلالهم نرى ونتعرف على صنعاء وعلى ماضيها وحاضرها وكل خفاياها، فعن طريق الرسامة صبحية العائدة إلى بلدها صنعاء بعد مغادرتها للقاهرة على إثر وفاة والدها، وقرارهم لدفنه في مدينته التي أحبها ووهبها عمرا قضاه خلف أسوار سجنها بدون محاكمة ولا تبيان أسباب سجنه فيها.

صبحية تتعرف على حميد الرجل العاشق للنساء ولصنعاء، ثم تعيش معه قصة حب من خلالها تكتشف وتعرف أسرار وخفايا مدينتها التي تجهلها وتجهل عاداتها وتقاليدها وماضيها وواقعها السياسي.

الشخص الثالث هو غمدان الذي يلتقيها في القصر الرئاسي حيث يدعون جميعهم لتكريمهم كأبناء شهداء من دافعوا وماتوا خلال حصار صنعاء، ويكمل لها غمدان حكاية الحلقات المفقودة في ماضي والدها البطل وماضي صنعاء المرتبط بحياة أبطالها الذين ضحوا بحياتهم لأجلها ومنهم والد حميد ووالد غمدان ووالدها.

قصص الحب هذه لم تكن إلا إطارا لنتعرف ونلم بكل حياة مدينة اسمها صنعاء، وهي حكاية عشق كبير يتغنى ويتغزل بها.

الجميل في الرواية هو تناسب موضوع الرواية مع شخصياتها، مثل الرسامة التي تُعيد اكتشاف كل ما في المدينة، قدرة بطلتها صبحية على بث إحساسها كرسامة في المرئيات المتحركة حولها، جعل ما تراه عبارة عن لوحات متلونة بالضوء وحركة النور وانعكاسه على ما حولها، فكل ما تراه ليس إلا لوحات متحركة بشخصيات هي واقع مرسوم، مما أسقط إحساسها وشعورها باللوحة على إحساس قارئها، ورفع من القيمة الفنية للمشاهد المرسومة في كتابة.

هذه رواية أعادت اكتشاف حكاية وسيرة صنعاء المدينة الأسطورية القديمة القابعة خلف أسوارها وبوابتها الشاهدة على عصورها الوسطى. وكشفت عن تفاصيل لأحاسيس المرأة بجسدها بشكل جريء وحميم وعن كيفية علاقتها بالرجل، ومقيل القات بينهما، وكيفية تناوله وتمضية وقتهما في الأنس والمؤانسة من خلاله.

جسد المرأة كما كتبت نادية: «كيف ينجو هذا الجسم من مصيره؟! فهو الجسم الفتنة، الجسم المحرض للرذيلة، الجسم العاري حتى لو كان مغطى من أعلى الرأس حتى أخمص القدم.. كيف؟!».

أجمل شخصيات الرواية والتي التفت بسحر الغموض وقوة السرد هي الشخصية الرابعة واسمها حورية ويُطلق عليها عشيقها حميد نداء حورية المسك، فهي الشخصية الأقرب والأكثر شبها بصنعاء المدينة الغامضة والغائرة في أسرارها «كبدة» أي كساحرة لا ينجو أحد من سطوتها،

هذي رواية تقدم كل ما خفي من صنعاء المدينة والتاريخ والبشر والحجر.