في خطوة ستساهم في تعقيد الأوضاع في العراق، وتضاعف الأزمة الأمنية المتداخلة مع الأزمة السياسية، أطلق المالكي أمس مواقف متصلبة، رافضاً تشكيل حكومة إنقاذ وطني، بينما طالبت حكومته بـ"تدخل أميركي حقيقي"، بعد وصول الدفعة الأولى من المستشارين الأميركيين إلى بغداد.

Ad

اعتبر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أمس، أن الدعوة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني انقلاب على الدستور والعملية السياسية، بينما توعدت قوات العشائر السنية المعروفة بالوصول إلى بغداد وإسقاط حكومة المالكي خلال الأيام القليلة المقبلة، في حين تتطلع بغداد إلى تدخل أميركي حقيقي يؤدي إلى "مساعدة حقيقية" للعراق، مع وصول أول دفعة من المستشارين العسكريين الأميركيين.

وقال المالكي خلال كلمته الأسبوعية، إن المتمردين على الدستور تحالفوا مع تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) و"البعث".

وأشار إلى أنه لم يسمع "من الشركاء ولو شكلياً دعماً للقوات الأمنية"، رافضاً تشكيل حكومة إنقاذ وطني، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد هجوماً واسعاً لمسلحين متطرفين. ولمح المالكي إلى تمسكه ومواصلة سعيه للبقاء على رأس الحكومة لولاية ثالثة، وأنه "سيحضر الجلسة الأولى للبرلمان انسجاماً مع الاستحقاقات الدستورية، ووفاء لأبناء شعبنا من جميع مكوناته".

ويصر المالكي على أحقيته في تشكيل الحكومة المقبلة، على اعتبار أن الكتلة التي يقودها فازت بأكبر عدد من مقاعد البرلمان مقارنة باللوائح الأخرى في انتخابات أبريل الماضي.

وبشأن التطورات الأمنية قال المالكي، "إن القوات الأمنية تمكنت من فتح كل الطرق بين المحافظات وتحرير المدن، والعملية مستمرة لتحرير كل المدن"، مضيفا "نحن على ثقة تامة بأن قواتنا المسلحة لم يكن بمقدورها أن تحقق مثل هذه الإنجازات الكبيرة، لولا دعم المرجعية الدينية في مدينة النجف".

وفي غضون ذلك، قال المتحدث باسم ثوار عشائر العراق أبوعبد النعيمي رداً على تصريحات المالكي، إنهم "أنهوا جميع التجهيزات اللازمة للهجوم على بغداد وتنظيف العاصمة من حكم المالكي"، مهدداً بمهاجمة الأميركيين في حال توجيه ضربات جوية أميركية.

وصول المستشارين

في السياق، أعلن المتحدث باسم مكتب القائد العام للقوات المسلحة العراقية الفريق قاسم عطا أمس، أن بغداد تتطلع الى تدخل أميركي حقيقي يؤدي إلى "مساعدة حقيقية" للعراق مع وصول أول دفعة من المستشارين العسكريين الأميركيين.

وقال عطا في مؤتمر صحافي في بغداد، إن الدفعة الأولى من المستشارين العسكريين الأميركيين وصلت إلى بغداد، وبدأت اجتماعاتها "مع مختلف القيادات".

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية الأدميرال البحري جون كيربي مساء أمس الأول، إنه جرى نشر 130 مستشاراً، مضيفا أن المجموعة الأولى التي أوفدت إلى بغداد لإقامة مركز عمليات تضم محللين من المخابرات وخبراء لوجستيين وأفراداً من القوات الخاصة.

وأشار كيربي إلى أنه جرى نشر نحو 40 فرداً من القوات الخاصة في العراق بالفعل، وهم ملحقون بمكتب التعاون الأمني للسفارة الأميركية ضمن أول فريقي تقييم، مضيفا أن نحو 90 فرداً إضافياً وصلوا إلى العراق بالفعل، للمساعدة في إنشاء مركز عمليات مشترك مع القوات العراقية في بغداد.

كما ينفذ العسكريون الأميركيون طلعات منتظمة بين 30 و35 يوما بطائرات يقودها طيارون أو بدون طيارين، للتعرف بشكل أفضل على الوضع على الأرض ومساعدة فرق التقييم.

تفجير الحسينيات

ميدانياً، فجّر عناصر ينتمون إلى تنظيم "داعش" حسينيتين في قريتين تركمانيتين هما شريخان والقبة في شمال الموصل بعبوات ناسفة زرعت في محيطهما، مما أسفر عن انهيارهما بشكل كامل.

وقال مصدر أمني إن "المسلحين احتجزوا عدداً من الشباب، لكنهم أفرجوا عنهم في ما بعد، بينما نزح العشرات من أسر القريتين الى القرى المجاورة خوفاً من مسلحي داعش".

كما أقدم مسلحو "داعش" على اختطاف 21 كردياً شبكياً شرق الموصل واقتيادهم إلى جهة مجهولة.

وقال مصدر في مجلس محافظة الموصل، إن "داعش عين مسؤولا إدارياً لكل حي من أحياء المدينة، ونشر مسلحيه في معظم مناطق الموصل"، مضيفا: "قام داعش باختطاف 21 كردياً شبكياً شرق الموصل".

تجدر الإشارة الى أن أعداداً كبيرة من الكرد الشبك، وهم من الطائفة الشيعية، يقطنون تاريخياً مركز مدينة الموصل وضواحيها.

إلى ذلك، تمكنت القوات العراقية من صد هجوم حاول مسلحون خلاله اقتحام قاعدة البكر العسكرية عند قضاء بلد الواقع على بعد 70 كلم الى الشمال من بغداد.

وتعد قاعدة بلد العسكرية، التي تشمل قاعدة جوية وكانت تسمى قاعدة البكر سابقاً، إحدى المقرات الرئيسية لقوات الجيش العراقي في محافظة صلاح الدين التي يسيطر مسلحون على مركزها، مدينة تكريت.

وقال مصدر أمني بارز في صلاح الدين أمس، إن "اشتباكات وقعت عند محيط قاعدة بلد العسكرية لدى محاولة مسلحين الهجوم على القاعدة، واستطاعت قواتنا صد الهجوم، وهي تسيطر بالكامل على القاعدة".

اجتماعات بعثية

وكشفت اللجنة الأمنية في مجلس محافظة ذي قار أمس، عن معلومات استخبارية تفيد بأن كبار قيادات حزب «البعث» المنحل وضباط الجيش السابق وميليشيا «فدائيي صدام» عقدوا اجتماعات متواصلة خلال الأيام الماضية، تمهيداً للقيام بأعمال مسلحة تهدد استقرار أمن المحافظة.

وبين عضو اللجنة حسين سند حسين، أن «الأجهزة الأمنية والاستخبارية تراقب عن كثب تلك التحركات، وحددت أسماء المشاركين في الاجتماعات وأماكن عقدها».

وأضاف حسين أن «تلك الخلايا لديها اتصالات مع خلايا تنتمي إلى حزب البعث المنحل في محافظات أخرى».

كيري إلى السعودية

وأعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مؤتمر صحافي في بروكسل، أنه سيزور السعودية غداً الجمعة لمقابلة العاهل السعودي الملك عبدالله، وبحث أزمتي العراق وسورية. وأضاف «طلب الرئيس أوباما مني السفر إلى السعودية لمقابلة جلالة الملك عبدالله، وبحث قضايا إقليمية تشمل الوضع في العراق، وكيف يمكننا التصدي للتهديد المشترك الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وأيضاً لبحث دعمنا للمعارضة المعتدلة في سورية».

الأردن يتأهب

وأكد قائد قوات حرس الحدود الأردني العميد الركن صابر المهايرة أمس، أن قوات بلاده قادرة على تأمين حدودها مع العراق من «أي اعتداء».

وقال المهايرة خلال جولة نظمت للصحافيين على الحدود الأردنية- العراقية، إن «الحدود الأردنية- العراقية آمنة، والقوات الأردنية الموجودة على الحدود قادرة على تأمين الحدود من أي اعتداء»، مضيفاً: «لن نسمح بمرور أي أحد إلا من خلال المعابر الشرعية بين البلدين».

وعززت المملكة خلال الأيام القليلة الماضية قواتها على الحدود مع العراق، بعد سيطرة مسلحين على معابر بين العراق وسورية بالقرب من الحدود الأردنية.

من جانبه، قال وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام والاتصال والمتحدث الرسمي باسم الحكومة محمد المومني، إن «هذا عمل مستمر ضمن الإجراءات الاحترازية المتخذة على مدار الساعة ووفق المقتضى»، مضيفاً أن «المعبر الحدودي الوحيد بين الأردن والعراق طريبيل مفتوح ولكن الحركة في حدودها الدنيا، بسبب الأوضاع الأمنية في العراق».

وتتضارب الأنباء بشأن الطرف الذي يسيطر على معبر طريبيل، فقد أعلن «داعش» سيطرته عليه في وقت تقول عشائر مقيمة في المنطقة إنها باتت تسيطر على المعبر بعد انسحاب الجيش العراقي منه، وانها تعمل لإبقاء المعبر مفتوحاً.

طهران

واعتبرت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم أمس، أن تصاعد الأعمال الإرهابية في المنطقة هو نتيجة «الدعم الإقليمي والدولي» للمجموعات الإرهابية، مضيفة أن «الإرهاب بات يستخدم کآلية للتغلب على صوت الشعب»، ووسيلة لـ»الضغط والاستفزاز لحكومات».

وقالت أفخم في مؤتمرها الصحافي الأسبوعي، إن «تفشي ظاهرة الإرهاب في سورية ولبنان والعراق هو نتيجة دعم الدول الإقليمية والغربية للمجموعات الإرهابية، التي تسعى وراء تحقيق أهداف مشؤومة لها، وتهدد الأمن والاستقرار في المنطقة».

وأعربت عن قلق بلادها من «تنامي ظاهرة الإرهاب والأعمال الإرهابية الهادفة إلى ممارسة الضغط والاستفزاز على حكومات المنطقة، خصوصاً أن هناك أعداء يريدون العراق ضعيفاً في المنطقة».

وأكدت أن العراق لم يتقدم بطلب لإيران لمساعدته عسكرياً، مضيفة «نحن مستعدون لبحث مثل هذا الطلب في حال تقديمه، لأنه من البديهي أن تتعاون دول المنطقة في مكافحة الإرهاب، وفي نفس الوقت نرفض التدخل الأجنبي في هذا البلد، لأنه يضعف موقفه».

حلف الأطلسي

وأعرب وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي أمس، عن قلقهم ازاء الوضع الأمني في العراق والمنطقة ككل.

وقال الأمين العام للحلف أندرس فوغ راسموسن في مؤتمر صحافي عقب اختتام الجلسة الصباحية لاجتماع وزراء الخارجية في بروكسل: «من الطبيعي أن نشعر بقلق إزاء الوضع في العراق لكن القلق الشديد يكون إزاء الوضع في المنطقة ككل، وأثيرت تلك القضية خلال مناقشاتنا».

وأضاف راسموسن أن الوزراء ناقشوا خلال الاجتماعات تطورات الوضع في العراق بناء على طلب تقدمت به تركيا التي تربطها حدود مشتركة مع العراق، مؤكدا تضامن الحلف مع تركيا وحرصه على حماية جميع الحلفاء.

ولفت الى نشر الحلف صواريخ «باتريوت» في تركيا تحسبا لأي هجوم صاروخي.

وقال راسموسن ردا على سؤال إن هذا الاجتماع لم يتطرق الى مسألة ارسال مدربين من الحلف الى العراق، مضيفا أن الحلف كانت لديه مهمة تدريبية هناك قبل سنوات واضطر الى إنهائها عندما قررت السلطات العراقية عدم تمديد الترتيبات القانونية والأمنية اللازمة.

(بغداد ـ أ ف ب، رويترز،

د ب أ)