حول مشروع برنامج المعارضة
يكفي جماعات ائتلاف المعارضة اليوم في مشروعها أنها ألقت حجراً في مياه السياسة الكويتية الراكدة، وحركت هذا المستنقع الآسن بما يحويه من طفيليات أمراض الفساد والاستبداد مع فقدان الأمل في الإصلاح، والقضاء عليها بالوصفات الرسمية للسلطة وتوابعها من مؤسسات وأفراد.خلاصة مشروع المعارضة هي الدعوة لتبني "نظام برلماني كامل" في البناء الدستوري للدولة، وإنهاء ما يسمى النظام المختلط الجامع بين النظامين الرئاسي والبرلماني في الدستور الكويتي، وليس لدي أي معلومات بنظام شبيه له معاصر أو تاريخي، لكن المؤكد أن النظام المختلط كان حالة وسط "للمشاركة" السياسية بين الشيوخ والشعب، وتحقق هذا عند ولادة الدستور واستمر حتى 76 وانتهى بعد ذلك، وأصبح نسياً منسياً، وأضحى نظاماً مشيخياً كامل الدسم، الشيوخ فيه "يحلون ويربطون"، وبقية السلطات مجرد ختم شكلي "ربر ستامب"، وإذا حاول أحد أو مجموعة ما من المشاغبين الرافضين لهذا الواقع، مثل مسلم البراك أو غيره من المعارضين، الخروج عن الطوع السلطوي، أو نقده بجرأة، كانت النهايات معروفة... ولا حاجة للتذكير بها.
يواجه مشروع برنامج المعارضة نقداً هادئاً من معارضين لنهج النظام، والذين يمكن تصنيفهم في خانة اليسار. الناقدون مثل الزملاء بدر الديحاني (عدد الجريدة بالأمس) ووليد الرجيب وفواز الفرحان (موقع التيار التقدمي)، وأنا أتفق معهم في تشخيصهم، يرون أن فقرة وعظية دينية حشرت في ديباجة البرنامج، وكأن جماعة ائتلاف المعارضة يسطرون خطبة جمعة، ولا يقدمون برنامجاً سياسياً، يغير وجه الدولة، وقد يشي هذا، مع الأخذ بالاعتبار نسبة المحافظين في الائتلاف، وتحفظ جمعان الحربش عن عدم تعديل المادة 74 من الدستور في برنامج المعارضة، بحيث لا يقر أي قانون ما لم يكن موافقاً لأحكام الشريعة، عن مشروع مبطن لدولة دينية قادمة تحت غطاء النظام البرلماني الكامل، والدولة الدينية مثل الدولة العسكرية هما نقيضان للدولة المدنية. أيضاً، يرفض الناقدون منهج "الاستفتاءات" الشعبية كمدخل لتعديل الدستور، وهي بالعادة، في مثل ظروف وواقع دولنا، أفضل طريقة لاستبدال استبداد باستبداد آخر، تحت مسميات مختلفة، هنا، يمكن التذكير باستفتاء مصر الأخير على مشروع الدستور، وهذه نقطة يجب اعتبارها عند أي من الفريقين، أصحاب مشروع المعارضة والناقدين للمشروع.أياً كان الأمر، يبقى القول إن مشروع المعارضة يقدم رؤية وبرنامج عمل، ويمثل جهداً كبيراً من أصحابه، وسيكون صعب المنال كي يتحقق، مع هذا الواقع الريعي المترهل، إلا أنه محاولة جادة تستحق التوقف عندها.