اليوم سنبتعد عن السياسة والحديث فيها لمعرفتنا ويقيننا أنكم أعزاؤنا قد تشبعتم من كثرة القيل والقال في السياسة، وأصبحتم مثقلين بالهموم والنزاعات والقصور والسرقات، وترون كل يوم بأم أعينكم ذلك الفساد المستفحل في أروقة الوزارات والجهات والمؤسسات الحكومية، ولكن دعونا اليوم نتكلم معكم عن قضية قد لا يهتم لها الكثير إلا أصحاب العلاقة بالأمر وأصحاب الاختصاص فيه.

Ad

قضيتنا اليوم لا تخلو من السرقة والنصب، قضيتنا بدأت تكبر وتستفحل بسبب عدم وجود رقابة أو جهة متابعة له.

قضيتنا تتعلق بالتدريب والتنمية البشرية، فلقد لاحظنا في الآونة الأخيرة مجموعة من المصائب في هذا الحقل، سنتعرض لبعضها لضيق المساحة، فأولاها تلك المسميات التي تطلق على المدربين (مدرب محترف- مدرب عالمي- مدرب دولي- مستشار تدريب- كبير مدربين- خبير تدريب) وغيرها من المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

هذه المسميات على أي أساس أو معيار يتم إطلاقها على المدرب، لنأخذ وندرس الطريقة التي يتم على أساسها أخذ هذه المسميات.

يذهب الشخص لدورة إعداد مدرب (دعونا نطلق عليه "مبتدئاً")، في حين المسميات له مختلفة من شخص إلى آخر بناء على مدرب الدورة أو الجهة التي ستصدر الشهادة أو المنظمة للدورة، فأحدهم يطلق عليه مسمى (مدرب مرخص)، وآخر (معتمد)، وآخر (محترف)، ورغم اختلاف المعنى من لقب إلى آخر، فإن الجميع يجب عليه أن يشترك في دورة تكون ساعات التدريب فيها ما بين (٥٥-٦٠ ساعة)، من هذه الدورة يتخرج مدرب يكون مبتدئاً، حصل على كل أساسيات التدريب، وهنا نطلق عليه مدرباً مرخصاً أو مبتدئاً، ويجوز له أن يباشر عملية التدريب حسب تخصصه أو في مجال معين يثبت أنه قد تدرب على أيدي مختصين في ذلك المجال، ولا تكون الأمور على المزاج والهوى الشخصي.

وبعد أن يقدم دورات في المجال المسموح له بها لعدد ساعات معينة أو مدة زمنية ممارساً التدريب فيها، يحق له دخول دورة ترقية في السلم التدريبي لينتقل من مدرب مبتدئ إلى الدرجة الأعلى، وهكذا بين كل مسمى ومسمى يجب أن يكون هناك ساعات تدريبية يقدمها أو فترة زمنية يمارس التدريب فيها.

وفي كل ترقية يجب أن يتم تسجيل هذه الترقية في جهة حكومية أو نقابة خاصة بالمدربين في التنمية البشرية.

أيضا الساعات التدريبية لإعداد مدرب مبتدئ، يجب ألا تقل عن ٦٠ ساعة تتخللها أساسيات خاصة بالتدريب، وأداء عروض تقديمية لمعرفة إمكانات كل شخص، وهل يصلح لأن يكون مدرباً في التنمية البشرية، ويكون ذلك من خلال تقييمه تقييما دقيقا يبين مهاراته وإمكاناته وقدراته؟.

وهذا التقييم يطبق في كل مرحلة من مراحل الترقي في السلم التدريبي، حتى يكون في ساحة التدريب من يستحق أن يكون مدرباً في مجتمعه، ويكون عوناً في تنمية أبناء المجتمع، ولا يكون علّة عليهم، فلقد أصبح التدريب مهنة من لا مهنة له.

الأمر الثاني من مصائب التدريب، الذي نود أن نتطرق إليه هو تلك السرقات للأفكار والموضوعات، ويبدو أن بعضهم يطبقون المثل الشعبي "من سبق لبق"، مبتعدين كل البعد عن أهم صفة في المدرب، وهي الأخلاق والأمانة، ففي المجال الواحد أصبح هناك متنافسون كثر، وما ان يعلن أي مدرب دورة أو ورشة أو ملتقى أو أي شيء، إلا تسابق الآخرون في تقديم نفس الدورة بمدة أقل ورسوم أقل، دون الاعتراف بالزمالة المهنية واحترامها. ويظن البعض أن سرقة الأفكار إنما هي "فهلوة وشطارة"، وأن أسماء الدورات والورش ليست حكراً على أحد، صحيح هذا التبرير، ولكن الأمر سينظر له من زاوية الفقر الفكري الذي لديك وضحالته، والمصيبة من يقدم برنامجاً تدريبياً بنفس الاسم والأهداف والمحاور وتصل بعض الأمور إلى حجز نفس القاعة واستخدام نفس التطبيقات، بالعربي الفصيح copy and paste.

ومصيبة أخرى نطرحها في هذا الحقل، هي تقديم دورات متخصصة دون امتلاك ذلك التخصص أكاديمياً، أو حتى فنياً من خلال الاشتراك في دورات عدة في ذلك التخصص.

ربما يكون ذلك المدرب مطلعا في مجال معين وأعجبه، ففكر في أسلوب وطريقة لتقديم دورة للجمهور، فإن لم يكن متمكناً من المادة كتمخصص، فكيف سيغير من قناعات الحاضرين؟ وكيف سيجيب عن الأسئلة المتخصصة؟... سيكون هذا بمنزلة ذم لكل المدربين.

وأيضاً المدربون الذين يقدمون دورات تحت أسماء مراكز وفرق أغلبها ليس لها تراخيص رسمية من الدولة لمزاولة نشاط التدريب، في حين أن هناك شركات كبيرة ومعاهد ومراكز متخصصة في التدريب، ولها تراخيص رسمية لمزاولة نشاط التدريب.

كل هذه المشاكل وغيرها الكثير، يتعين حلها بإنشاء جهة تكون مسؤولة عن التدريب في التنمية البشرية بالكويت، يكون لها صلاحيات؛ كالاعتماد، وحفظ الحقوق الأدبية، وإصدار مخالفات وغرامات بحق كل من يخالف النظم والقواعد التي يحددها القانون، ولا تسمح لأي جهة بأن تفتح مجالاً لتأجير قاعات ما لم تكن مرخصة من قبلها، وفق شروط وضوابط القاعات التدريبية الدولية، وتضع نظاماً لدورات إعداد المدربين، كساعات تدريبية ومن يحق له إعطاء هذه الدورات.

كما يجب أن تكون تلك الجهة المعتمد الرسمي لتلك الشهادات الصادرة من شركات التدريب، وكذلك الشهادات التي تعطى من جهات خارجية كجامعات ومراكز تعليمية وتدريبية دولية.

حقل التدريب في التنمية البشرية مليء بالهموم والمشاكل التي لا حصر لها، والجهات الحكومية المعنية بهذا الحقل من قريب أو بعيد، لا تحاول الخوض في مشاكله... ولا ندري ما الأسباب؟

انظروا إلى هذا الحقل بعين الاهتمام، فالفساد قد وصل إليه.

وما أنا لكم إلا ناصح أمين.