انتهى شهر رمضان وانتهت معه كل البرامج السفيهة والمسلسلات التافهة وكل ما حُشر وحُشد لهذا الشهر الفضيل من طفح موسم تسويق «الغثاثة»، أي كل ما هو غث ورديء مما طفحت به شاشات القنوات الفضائية لأجل قضاء وقت في التسلية والمتعة واكتساب معرفة وترفيه، فلم تأت بالنتائج المرجوة منها وما هو مرسوم لها ودورها المفروض أن تقوم به، لكنها في الواقع جاءت مخالفة لهدف وجودها، لأسباب عديدة منها الاستسهال وسلق البرامج والسطو على أفكار وإبداعات الآخرين وإعادة تقديمها تحت بند «تمصيرها» أو «خلجنتها» أو تعريبها، وكأنه لا يوجد لدينا إلا الإفلاس والنضوب الفكري الإبداعي، فما قُدم في رمضان هذا العام كان شهادة فاضحة على عقم مؤلفيها وسرقاتهم العلنية التي لا تجد من يردعها ويرفض تسويقها وشراءها۔

Ad

والوضع العربي المضطرب في رمضان هذا العام من فزع وتهجير المدنيين وقتل الأطفال وحزن الأمهات، كله انعكس على المشاعر والأحاسيس بهموم جاثمة يصعب التحرر والتخلص منها، فكيف نستمتع وكل من حولنا يتألم في وجعه؟

هذا الوجع صبغ وفاض على كل ما حوله، فلم يكن هناك طعم مميز لرمضان هذا العام، حتى انعكس ذلك على أغلب الأعمال الفنية فجاءت محملة بالكوارث والفواجع السوداء التي ترجمت وصورت واقع العالم العربي في كوارث ربيعه التعيس التي طالت وامتدت نيرانها على كل من حولها بالمآسي التي انعكست على كل شيء، فلا يمكن أن يُفصل الواقع المعيش عن ذاك المتخيل في الكتابة، لأن الكتابة هي الصورة المطبوعة من «نيغاتيف» المعيش حقيقية، لذا كانت الصفة الغالبة على مسلسلات رمضان هي العنف والقتل والتعاسة والإجرام والنكد، وغاب عنها كل ما يبعث على الشعور بالبهجة أو التفاؤل أو ما يحمل ذرة من الفرح، كآبة وسوداوية، في انعكاس لما يحدث ويدور في عالمنا العربي المتدهور والمنحدر إلى هاوية مجهولة المصير۔

وهذه الأعمال تدفع إلى السؤال التالي: هل الفن هو انعكاس حتمي لواقع المؤلف؟ وهل بإمكان المؤلف الهروب من واقعه المحاصر به وكتابة شيء مخالف تماما لواقعه؟

الجواب هو أن هناك كتاباً عكست كتاباتهم واقعهم المعيش حولهم، ولعل أغلب المؤلفات عكست صورة لهذا الواقع وترجمت حال واقعها بالنقل الكامل، كما أن هناك كتاباً جاءت كتاباتهم مخالفة لواقعهم، كأن يولّد الواقع التراجيدي حالاً مختلفة تماما عن أصله، فيولد الموقف الكوميدي الساخر من أشد وأقسي مواقف الحياة صعوبة وقتامة، وهذا ناتج من قدرة هائلة وتخيل مذهل في إحداث تغير كبير في عكس صورة المعيش كحقيقة، وهذه قدرة إبداعية ذات خيال كبير متوهج هارب من ذاته ومن حياته فيها۔

بالنسبة للكتاب العرب الاستسهال في الكتابة والسطو علي مؤلفات الغير هو الأسلوب الأمثل لهم في الكتابة، خاصة أنه لا يوجد هناك رقيب أو محاسب يردعهم ويحافظ على حقوق ملكية الغير الإبداعية والفكرية، ويمنع شركات الإنتاج من قبول تلك المؤلفات المسروقة «عيني عينك» تحت سمع وبصر الجميع، حتى يحثهم على تشغيل عقولهم وتوليد إبداعهم الخاص بهم، ما يساعد على خلق المنافسة في عملية إبداع حقيقي وليس مسروقاً من الغير.

ومن المسلسلات التي أعجبتني التي كانت جديدة في فكرتها وفي موضوع طرحها، مسلسل «السبع وصايا» وفرحت جدا بالمؤلف الذي كتبه، وكنت سعيدة بمولد مؤلف قوي وصاحب إبداع مختلف وقدرة في كتابة سيناريو محكم وغرائبي في طرحه لأفكاره التي عكست الواقع المصري الشعبي العائش في معتقدات المكارم لأضرحة الأولياء الصالحين والإيمان بشفاعتهم وقدراتهم على تحقيق المطالب في حياة صعبة وضيقة في رزقها، هذا الكاتب استطاع توظيف هذه المعتقدات الشعبية في نص محكم مبني على السحرية الواقعية، فكل ما في هذي الحياة الشعبية من معتقدات هو واقعي بالنسبة لهم، وإن بدا سحرياً في معقوليته، لكنه ضمن المعتقد السائد جائز الحدوث، وضمن الحياة الكثيفة الفقيرة المزدحمة الأمية التي لا تملك الوقت للتدقيق في التفاصيل، كل ما يجري فيها يملك مصداقيته حتى وإن كان خارجها.

لكن فرحتي بالمؤلف لم تتم، حيث قرأت أنه سطا على هذا النص من فلم أجنبي ونص مكتوب آخر، فيا للأسف لفرحة لم تتم.