«الحب أعمى»

Ad

ترفع هذه الجملة بطاقة حمراء لإنهاء الجدل!

ترفع هذه اليافطة أيضاً وكأنما هي دليل إدانة دامغ للحب،

كأنما هي عيب يستدعي طرده من منصة الشهود في المحكمة التي عقدت للحكم في: قضية قتله!

تُعلك بمذاق «كلمة حق أريد بها باطل»!

نعم الحب أعمى... إلا أن هذه معجزته،

كيف أصبحت معجزته هذي... لعنته؟!

ليس الحب وحده أعمى، فلماذا إذن هو تلصق به صفة العمى وكأنما لم تخلق إلا له؟!

كونه ليس الوحيد، هذا يعني لم تلصق به صفة أعمى لذاتها، وإلا لكانت ألصقت بمن مثله عداه،

إذا لابد لهذه الصفة في الحب ما يميزها،

استثنائية جدا حدّ البركة،

وخيالية حدّ المعجزة،

الحب أعمى، وكونه كذلك هذا يعطيه العذر في ألا يرى، المفاجئ أنه يرى ما يراه «المُبصِر» بالرغم من كونه أعمى، أما المعجزة فإنه يرى ما لا يراه المُبصر!!

لذا فإن العمى الذي يوصف به الحب إنما يوصف بها لأنها بركته،

تلك صفته التي يحب أن ينادى بها،

ينادى عليه كما ينادى على المبروكين في طرقات القرية، والدروايش، و»بتوع ربنا»!

ذلك العمى «بشت» عينيه الموشى بالطّهر

من ذا يريد أن يعيب ذلك «البشت»...

من ذا يريد أن ينزعه منه ليقيم عليه مزاداً لعديمي الذائقة؟!

معجزة الحب الذي وهبها له الله... أنه أعمى يرى ما لا يراه المبصر،

«زرقاء اليمامة»، كانت تملك تلك الهِبة (وإن كانت أقل من قدرة الحب كثيرا)، وكانت قصتها مثلا لعاقبة الذين كذبوها بحجة أنها تبصر ما لا يبصرون،

وكذلك الذين يتهمون الحب وهم لا يبصرون ما يبصر،

إن عاقبتهم لن تكون أقل بأساً من عاقبة قوم «زرقاء» اليمامة وإن اختلفت الصورة،

الحب معجزته أنه أعمى، لكنه من حِدّة النظر، يساورك ظن بأنه قد تنازل طواعية عن عينيه!

لا يحتاج عينيه ليرى،

وهو يعلّم محبيه المخلصين ذلك،

ألا يبصروا بعيونهم!

ألا تكون عيونهم وسيلتهم للرؤية، وألا يكونوا على يقين دائماً بأن عيونهم الوسيلة المثلى لقراءة الظلام، وفك الخط في رسائل التواصل،

يعلّم الحب المؤمنين به...

ما يعينهم على تأثيت منزل الشوق بالورود التي حبست عبيرها للحظة قد لا تأتي،

والشموع التي أتعبت شعلة اللهب، وبالأغاني القزحية، وبعض التعاويذ التي تطرد الوحشة عن ذلك المنزل!

يعلمهم الحب أن قضاء عمر الشوق مليئاً بمن تحب، لا يقل جمالاً عن لحظة لقائه،

يعلمهم أن يرسموا بالماء وجوه من يحبوهم، ويشِمُوا الرسم على ستائر شبابيك قلوبهم المفتوحة،

يعلم أصابعهم القدرة على عدّ النجوم دون الإشارة إليها،

وأن يَغرقوا دون أن يبتلّوا،

وأن يختاروا ثياب البحر الزرقاء، حتى وإن كانوا في جوف حوت!

ويعلمهم الحب أن يهيئوا روضة لزهرة، تحت مظلة الجفاف،

أول درسٍ يعلمهم إياه هذا الأعمى:

«لن تحب حتى ترى الحبيب... دون أن تبصِره»!