كيف تبرمج مطبخك الداخلي؟!

نشر في 16-01-2014
آخر تحديث 16-01-2014 | 00:01
 د. ساجد العبدلي مزاج الإنسان وما يحوك في صدره من انفعالات ويدور داخله من أفكار هي المطبخ الحقيقي لأغلب ما يجري عليه في هذه الحياة، لأنه إن كانت المؤثرات الخارجية ترسم وتشكل عشرة أو عشرين في المئة على أبعد تقدير من حياة الإنسان، فإن ثمانين في المئة أو أكثر من مسيرة حياته ترسمها وتشكلها تصرفاته الناتجة من حكمه على الأمور وقراراته وردود أفعاله، وهذا ناتج مباشر عن مطبخه الداخلي.

في المطبخ المعتاد، من يتعلم ويتدرب ويمارس الطبخ بحب وشغف يكن طباخاً ماهراً فينتج طعاماً لذيذاً، وأما الطباخ البليد الكسول الذي لا يريد أن يتعلم ويتدرب فستحترق طبخاته أو تأتي سيئة أو بلا طعم، وكذلك مطبخ الإنسان الداخلي لأنه مطبخ مرن يمكن برمجته لتخرج منه الطبخات المختلفة. إن تمت برمجته إيجاباً أنتج الإيجابية وإن تمت برمجته سلبا أنتج السلبية، وقد وجدت من خلال قراءاتي والعديد من الدورات والورش التي حضرت وقدمت أن هناك أربعة عناصر هي الأقوى والأهم في برمجة مطبخ الإنسان الداخلي.

أول هذه العناصر "الحديث مع النفس"، وقد بينت بعض الدراسات النفسية أن أغلب أحاديث النفس التي تطن في أذن الإنسان ليل نهار هي أحاديث سلبية مثبطة أو أحاديث متوترة قلقة، على غرار انظر أين وصل فلان وأين أنت الآن؟ ويا ليتني فعلت كذا أو قلت كذا. ولقد فات العمر ولم أفعل شيئاً، ويا ترى ماذا سيحدث لي غداً؟ إلخ. ومن شأن هذه الأحاديث طبعا أن تثبط العزيمة وتبرد الهمة، لذلك فمن المهم أن يتخذ الإنسان قراراً واعياً بالسيطرة بقدر ما يستطيع على أحاديثه النفسية الداخلية، وتوجيهها في الاتجاه المعاكس نحو الإيجابية، وذلك من خلال إرسال ما يسمى بعبارات التوكيد الإيجابي، مثل الحمد لله أنا بخير وعافية، وأشعر بالنشاط والطاقة، وأنا قادر على العمل والعطاء بإذن الله، وأنا مستقر في أسرتي، وأنا محظوظ بوظيفة مستقرة، وغير ذلك. هذه الحوارات النفسية الداخلية لن تذهب سدى بل ستعزز من مناعة الإنسان الداخلية وسترفع من همته وعزيمته.

ثاني العناصر هو "استخدام الكلمات والعبارات الموجبة"، وأعني هنا أن اختيار الكلمات التي نحاور بها الآخرين أو نرد بها عليهم، وكما أنه يعكس حالة مطبخنا الداخلي، فإنه يبرمجه في ذات الوقت. من يجيبك "بماشي الحال" حين تسأله عن صحته غير من يجيبك بأنه "على أفضل حال ولله الحمد"، ومن يقول لك حين تسأله عن صحته بأنه "يعاني صداعاً قاتلاً وضغطاً رهيباً"، غير من يقول لك إنه "يشعر ببعض الألم والضغط"، والمسألة هنا ليست صدقاً أو كذباً إنما نظرة نسبية اختار أحد الشخصين أن يميل بكفتها نحو السلبية والآخر نحو الإيجابية.

ثالث العناصر يتمثل بـ"الأسئلة المحددة" التي يجب أن نطرحها على أنفسنا دائماً إزاء كل عمل وكل مشروع وكل علاقة. ماذا أريد بالضبط؟ ولماذا أريده؟ وكم أريد منه؟ وأين أجده؟ وكيف أفعل لأحصل عليه؟ ومتى يجب أن أفعل ذلك؟ وغيرها من الأسئلة المتعلقة بالأمر. اتضاح رؤيتك نحو الأشخاص والأشياء من حولك، هو الأساس الذي يقوم عليه نجاحك معهم ومعها.

رابع الأشياء يتمثل بـ"قوة التخيل والتصور"، من يعطي نفسه وقتاً كافياً للتخيل والتصور ويطلق العنان لقدرات عقله خارج إطار القيود المفروضة ونمطية الممارسة اليومية هو الأقرب إلى أن يظفر بالأفكار الإبداعية والحلول الاستثنائية. ناهيك عن أن العلم قد أثبت أن من يمارسون الخيال بكثرة هم الأقدر على التعلم والأقوى ذاكرة والأكثر تعاطفاً مع الآخرين والأقل معاناة من ارتفاع ضغط الدم.

لكن من المهم أن ندرك جميعا أن هذه العناصر ليست مجرد معلومات نقرؤها ونهز رؤوسنا بالموافقة عليها، إنما هي مهارات ضرورية لابد من التدرب عليها وممارستها طوال الوقت وبلا انقطاع حتى يمكن أن تستقر في المطبخ الداخلي لكل واحد منا فتصبح جزءاً تلقائياً من سلوكه، ليرى طعمها ونكهتها اللذيذة بعد ذلك في سائر شؤون حياته.

back to top