أخطاء بوش «الابن» وخطايا باراك أوباما
بعد أكثر من أحد عشر عاماً، وفي ذروة تخبط إدارة الرئيس باراك أوباما، يستيقظ وزير الخارجية الأميركي جون كيري من غفوة طويلة، ويقول إن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية على العراق في عام 2003 كانت خطأً فادحاً، والواضح أن المقصود من ذلك إدانة الرئيس "الجمهوري" جورج بوش "الابن"، الذي يجب أنْ يدان، لأنه لم يكتفِ باحتلال هذه الدولة، بل أصرّ على تفكيك بنيتها السياسية والإدارية والأمنية والعسكرية، وتركها لتواجه هذا المصير المرعب الذي تواجهه الآن.والمؤكد أن هدف ما قاله كيري هو تحميل مسؤولية ما جرى وما يجري في العراق الآن للجمهوريين، الذين يشنّون حملة انتقادات متصاعدة ضد سياسات الرئيس باراك أوباما وإدارته الديمقراطية في الشرق الأوسط كله، لا الاعتراف بأن الولايات المتحدة قد ارتكبت حماقات قاتلة في هذه المنطقة الاستراتيجية، وأنها في حقيقة الأمر، إنْ لم تتدارك الأمور بسرعة، فإنها ستفقد مكانة الدولة الأهم والأكبر والأقوى في الكون كله، التي تبوأتها "بجدارة" بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية في بدايات تسعينيات القرن الماضي.
وبالطبع، فإنه إذا كان بوش "الابن" قد ارتكب حماقة كارثية ليس باحتلال العراق فقط في عام 2003، بل بتدميره ككيان وكدولة وبوضع معادلة طائفية جائرة وبائسة أسست لتقسيمه وفقاً لما يجري الآن، فإن باراك أوباما قد ارتكب خطيئة تاريخية بسحب القوات الأميركية من هذا البلد "سحباً" كيفياً في عام 2011، وترْكه لعدم الاستقرار والنهب والسلب والفساد والمخططات التآمرية التي تركها بول بريمر سيئ الصيت والسمعة. والسؤال هنا هو: ما الذي يمكن أن يستفيده العراق وتستفيده المنطقة من اعتراف كيري بالخطأ المتأخر الذي ارتكبته الإدارة الأميركية السابقة، بينما لا تزال الإدارة الحالية ترتكب أخطاءً أسوأ وأكثر خطورةً من الأخطاء التي ارتكبها جورج بوش "الابن"، وبينما يواصل باراك أوباما بتخبطه ورعونته وضعفه وتردده تمزيق هذه المنطقة، ودفعها دفعهاً إلى أحضان الإيرانيين الذين لا يُخفون أطماعهم فيها، والذين قالوا، على رؤوس الأشهاد، إن حدود دولتهم أصبحت على شواطئ البحر الأبيض المتوسط عبر الجنوب اللبناني؟إنَّ مَن أوصل سورية إلى كل هذا التمزق وكل هذا الدمار والخراب هو باراك أوباما نفسه لا غيره، وربما المسألة هنا ليست مجرد أخطاءٍ وقع فيها رئيس وضعته مصادفة تاريخية في هذا الموقع الذي يحتله الآن، وهو أهم وأخطر موقع في العالم بأسره، لكنها تآمر مقصود لتمزيق المنطقة العربية بداية بتمزيق دولتين رئيسيتين هما سورية والعراق، ويقيناً المستفيد من هذا الذي فعله ويفعله رئيس الولايات المتحدة وإدارته الديمقراطية هو إسرائيل وإيران لا غيرهما.إنه لا شك في أن الرئيس بوش "الابن" قد ارتكب الكثير من الأخطاء المدمرة في هذه المنطقة، أخطرها وأهمها "فرْط" الدولة العراقية وتسليمها لإيران تسليم اليد، لكن ما هو أسوأ من هذا كله هو أن باراك أوباما، بالإضافة إلى سحب القوات الأميركية من العراق وتركها لـ"فيلق القدس" وقاسم سليماني ولقيادات طائفية منتفخة بثارات تاريخية وهمية، قد اتبع سياسة متذبذبة سقيمة في سورية، هي سبب كل هذا الانهيار الذي ستدفع ثمنه دول هذه المنطقة كلها باستثناء إسرائيل... فـ"شهاب الدين أسوأ من أخيه"، وحقيقة ان تاريخ أميركا كله أخطاء في أخطاء، باستثناء ذلك الموقف الشجاع والواعي الذي اتخذه الرئيس دوايت أيزنهاور في مواجهة العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956.