«مبروك... جالك دكتاتور!»
![حمد نايف العنزي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1461947116815412800/1461947124000/1280x960.jpg)
وبعد حدوث ثورات الربيع العربي، كان التصور بأن هذه المصانع سوف تغلق للأبد، وأن شعوبنا العربية قد تعلمت دروساً لا تنسى من سنين الطغيان، وكان من المتوقع-منطقياً- ألا تكرر أخطاءها السابقة في تأليه الرؤساء وإضفاء صفات الكمال عليهم والتغني بعظمتهم وعبقريتهم حتى يشعر أحدهم بأنه "حاجه ما حصلتش" وأن الشعب من دونه لا قيمة ولا كرامة له، أقول إن التصور كان بألا يتكرر هذا الأمر، فهل ما حدث بعد ثورات الربيع العربي يطابق هذا التصور أم خلافه؟ في الواقع، ما حدث بعيد عن هذا الأمر، وإذا كانت الصورة لا تزال ضبابية بعض الشيء في تونس وليبيا، فإن ما حدث في مصر على وجه التحديد، هو تكرار للخطأ مرة أخرى، فبعد أن تم التخلص من كابوس الإخوان بقرار من قائد الجيش عبدالفتاح السيسي، وهو قرار بلا شك شجاع وجريء يشكر عليه كثيراً، لكن فرح المصريين المبالغ به برحيل "مرسي" جعلهم ينسون من أجل ماذا قد ثاروا على "مبارك"!وتحول السيسي خلال شهور قليلة لما كان عليه جمال عبدالناصر وحسني مبارك في بداياتهما، فقد بدأ المصريون إضفاء صفات الكمال والجمال والعبقرية على السيسي لتأليهه تدريجياً، وصرنا نرى مصر تعيش حالة أقرب ما تكون للحكم الدكتاتوري بفرمانات عسكرية أشد قسوة من كل فرمانات مبارك الذي قامت عليه الثورة!فما السبب يا ترى؟ وكيف تقوم ثورة شعبية هدفها القضاء على حكم دكتاتوري لتسبدله بحكم شبيه له، وربما أشد بطشاً؟!السبب في رأيي يكمن في الأساس الذي قامت عليه هذه الثورة، ففي الثورات الحقيقية تقوم الثورة في أساسها على القيم والمفاهيم والأخلاقيات والتقاليد السيئة التي تنتج الدكتاتور وحاشيته الفاسدة، أما في ثورات الربيع العربي فالأساس كان هو الثورة على "شخص" الدكتاتور ومن حوله "وليحكمنا الشيطان بعد ذلك"، أي أنها ثورة على النتائج لا على الأسباب، متجاهلين الظروف أو "المصنع" الذي ينتج تلك النوعية من الحكام، مصنع الغباء العاطفي والحماسة العمياء والمصلحة الشخصية التي تنافق وتتزلف وتعطي الحاكم من المديح أكثر مما يستحق لترفعه إلى مرتبة الآلهة، وهو في واقع الأمر ليس سوى بشر من لحم ودم مثلهم تماما، ومهمته كحاكم ينبغي أن تكون "مؤقتة" تنتهي بانتهاء مدة حكمه، فإن أحسن عمله شكر، وإن أساء حوسب، وهكذا تفعل الشعوب المتحضرة والمتقدمة، تعامل الرئيس كأجير لديها، لا أقل ولا أكثر، فهل سمعتم يوما بصاحب عمل يرفع صور أجيره ويصيح بحماسة "بالروح بالدم نفديك يا..."؟!